السبت، 30 يناير 2016

التنوع الحيوي في القرآن الكريم النمل Formicidae

 التنوع الحيوي في القرآن الكريم النمل Formicidae
ورد ذكر النمل في القرآن الكريم في الآيات الآتية:
      
  - قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ النمل: (18).
        - وقال تعالى: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ النمل: (18).
        -والنمل حيوان من الحشرات غشائية الأجنحةHymenoptera) ) والنملة لها زوجان من الأجنحة الغشائية , والزوج الخلفي أصغر من الأمامي، وأجزاء الفم قارضة.
        -ويعيش النمل في مستعمرات تحت سطح الأرض أو في الأخشاب أو في تجاويف النبات والمباني وغيرها , ويلاحظ في جسم النمل أن الحز أو الاختناق بين الرأس والصدر والبطن واضح جداً. (علم الحيوان العام، فؤاد خليل وآخرون (مرجع سابق) (ص552).
        -كما أن البطن متميز إلى منطقتين، منطقة قاعدية (Pedicle) ضيقة مكونة ظاهرياً من العقلة الأولى أو العقلتين الأولى والثانية ومنطقة بيضية (Gaster) تتكون من باقي العقل البطنية.
        -ويتغذى النمل على الحشرات الأخرى الميتة وعلى اليرقات والعذارى وكذلك على المواد السكرية والدهنية، وتعيش بعض الأنواع معيشة تعاونية مع حشرة المن فبأخذ منها إفرازاتها العسلية مقابل حمايتها ورعايتها (المرجع السابق)، كما يوجد نوع من النمل الزارع الذي يزرع الفطر ليتغذى عليه.
        - وفي دورة حياة النملة كسائر الحشرات الراقية أربعة أطوار: البيضة، اليرقة، العذراء، الحشرة البالغة، (الملكات والشغالات والذكور  والملكات)، والشغالات إناث تنشأ من بيض مخصب أما الذكور فتنشأ من بيض غير مخصب (كما هو الحال في النحل).
        - وفي النمل ظاهرة ليست في النحل، وهي تعدد الأشكال (Polymorphism) في طور الشغالات ذاته،، فهناك شغالات صغار الأحجام تعمل في داخل العش، وشغالات متوسطة الأحجام و كبيرتها تعمل خارجة، وشغالات ضخام الرؤوس كبار الفكوك هي الجنود (أو الجنديات على الأصح) ويتولى الجنود حراسة العش، بل إن أحدها في بعض الأنواع، يسد باب العش برأسه الكبير، ولا يسمح إلاَّ لبنات مستعمرته بالمرور، وتقوم الجنود أيضاً بكل المهام القتالية دفاعاً وهجوماً.(قاموس القرآن الكريم، معجم الحيوان (مرجع سابق) (ص355).
        -بعض النمل يُعد عشاشه في تجاويف الأشجار كالنمل النجار كبير الحجم من الجنس Camponotus ، وبعضها يبني من الأوراق عشاشاً تتدلى من الأشجار ، أما النمل الخياط أو النساج في أواسط أفريقيا فإنه يبني عشه من أوراق النبات يخيطها بحرير من صنع يرقاته , أما النملة الفرعونيةMonomorium  فإنها تعيش في البيوت، ولا تبني بيوتها خارج البيوت إلا في الأجواء الدافئة.
        -بيد أن هناك أنواعاً من النمل لا تبني عشاشاً على الإطلاق، وتتألف المستعمرة من نحو مليون وخمسائة ألف فرد، وفكوك النمل الأفريقي Anomna  تشبه المقصات تقطع بها أجساد ما يصادفها من أنواع الحيوان وقد يبلغ عدد أفراد المستعمرة أكثر من اثنين وعشرين مليون نملة متحركة. (المرجع السابق (ص356) بتصرف قليل.
ومن أنواع النمل:
        - النملة المنزلية الفرعونية Monomorium pharaonis  صغيرة الحجم، لونها أحمر بني، توجد في المنازل وتسبب مضايقات شديدة وتلفيات للمواد الغذائية.
        - العُبو (أو حرامي الحلة) Catagyphus b:color  وهو نوع كبير الحجم رأسه كبير ذو لون بني وبطنه أسود اللون.
        - نمل الكامبونوتس Camponotus maculates   وهو نمل كبير الحجم يدخل المنازل أحياناً في أعداد كبيرة، ويمكن تمييز الذكر بلونه البني الفاتح، وفي الشغالة يكون البطن ذو لون أصفر، أما في الجنود فهو أسود، وهو يتغذى على الحشرات الحية ويعيش عادة في تجاويف الأشجار. (علم الحيوان العام (مرجع سابق) (ص553).
الوضع التقسيمي:
        - المملكة الحيوانيةKingdom: Animalia                         
        - شعبة مفصليات الأرجل Phylum: Arthropoda                
        - طائفة الحشرات  Class: Insecta  (Hexapoda)              
        - رتبة الحشرات غشائية الأجنحة  Order: Hymenoptera    
أهمية النمل:
للنمل العديد من الفوائد منها:
        - غذاء لبعض الحيوانات.
        - يرقات النمل غذاء للإنسان في بعض البلدان.
        -تدوير المخلفات الغذائية.
        - تدوير بعض الحيوانات الصغيرة الميتة.
        - تهوية التربة.
        - تستخدم في البحوث الوراثية.
        - تلقح بعض الأزهار النباتية.
        - ترعى بعض الفطريات والحيوانات الأولية وتحميها وتحافظ عليها من الهلاك و الانقراض.
        - تحدث اتزاناً بيئياً مع بعض الأجناس الحيوانية.

الإعجاز في النمل:
        - إنتاج ذكور دون تلقيح دليل قدرة الخالق سبحانه وتعالى.
        - استخدام الفرمونات في المخاطبة يدلل على أهمية المخاطبة الكيماوية بين الكائنات الحية.
        - النمل يعيش معيشة اجتماعية تبين أهمية التعايش والتكافل الاجتماعي في الحفاظ على حياة الجماعة.
        - ظن النمل بالإنسان:
        أثبتت الآيات القرآنية حُسْنُ ظن النمل بالإنسان في قوله تعالى: ﴿ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ النمل:(18). فقد دعت النملة قومها إلى الدخول في مساكنها خشية أن يحطمهم سليمان وجنوده، دون شعور منهم، أي يتم تحطيمكم دون قصد وبغير شعور، وبهذا أثبتت الآيات القرآنية حسن ظن النمل بنبي الله وجنوده، وهذا الظن الحسن إنما يدل على حُسْن خَلْقَ النمل. (القرآن الكريم والاهتمام بعالم الحيوان، محمد محمود عبد الله، دار ابن زيد، بيروت: لبنان (ط1) (ص52) (2000م).
        - والحفاظ على النمل واجب في السنة النبوية المطهرة حيث قال صلى الله عليه وسلم: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأخرج متاعه من تحتها ثم أمر ببيتها فأُحرق بالنار فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة) (رواه البخاري)، وفي هذا بيان نبوي لأهمية الحفاظ على التنوع الحيوي في البيئة، وعدم إبادة الأجناس البيئية كالنمل لفوائده المتعددة التي قد تغيب عن الإنسان.

المصدر : التنوع الحيوي في القرآن الكريم , نظمي خليل أبو العطا موسى (2011م) .

أ.د.نظمي خليل أبو العطا موسى

التنوع الحيوي في القرآن الكريم: النمل الأبيض (الأرضة) Termites

  التنوع الحيوي في القرآن الكريم: النمل الأبيض (الأرضة) Termites


أجمع معظم المفسرين على أن النمل الأبيض ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى: 
﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ سبأ: (14). ويتكون جسم الحشرة من الرأس والصدر والبطن.
        - الرأس: يحمل قرون الاستشعار القلادية وأجزاء الفم القارضية.
        - الصدر: في الأنواع المجنحة زوج إمامي وزوج خلفي من الأجنحة طويلان متشابهان ومعظم أفراد المستعمرة عديمة الأجنحة.
وتشمل مستعمرة النمل الأبيض طائفتين: (الطائفة هنا بالمعنى الاجتماعي وليس بالمعنى التصنيفي التقسيمي).
        - طائفة النمل الخصب (Reprodnctive caste): وتتكون من أفراد مجنحة وأفراد نصف مجنحة وأفراد عديمة الأجنحة والنوع الأول يقوم بوظيفة تكوين المستعمرات الجديدة لقدرته على الطيران لفترة قصيرة من حياته وتنشأ الملكة من هذه الطائفة.
        - طائفة النمل العقيم (Sterile caste): وتتكون من الشغالة (Workens) والجنود (Soldiers) وهي أفراد غير مجنحة عقيم إذ أن أعضائها التناسلية لا تقوم بوظيفتها ومنها الذكور والإناث (علم الحيوان العام، فؤاد خليل وآخرون (مرجع سابق) (ص520).
        - والشغالة أكثر أفراد المستعمرة عدداً وتتميز بلونها الباهت المائل إلى الصفرة وجلدها اللين ورأسها عريض وفكاها العلويان قويان معدان لقضم الأخشاب والأنسجة النباتية الأخرى، وتقوم الشغالة بجمع الغذاء وإطعام الصغار والملكات وحفر الأنفاق وإصلاحها وبالجملة تقوم تقريباً بكل أعمال المستعمرة ما عدا ما يتصل بالتناسل والشغالة أشد الأفراد ضرراً إذ أنها تقرض الأخشاب وتسبب خسائر كبيرة.
        - أما الجنود فيسهل تميزها برأسها الكبير الكيتيني وفكوكها العلوية الكبيرة جداً والقوية والمدببة ووظيفة الجنود الدفاع عن المستعمرة.
        - ويوجد بالمستعمرة ملكة واحدة أو أكثر، وذكر  أو أكثر وكلاهما له أجنحة ولكن لفترة قصيرة من حياتهما بعدها يفقدان الأجنحة ويعيش، الذكر مع الملكة في خلية خاصة منعزلة عن المستعمرة وتتلقح الملكة في فترات ويزداد حجمها ثم تضع البيض والذي يصل إلى مليون بيضة في السنة وقد تعيش من (6) إلى (9) سنوات.
        - يتغذى النمل الأبيض على الأخشاب والمواد السليلوزية الأخرى كالتبن والقش وبقايا الذرة ويحتفظ المعي الخلفي للحشرة على عدد كبير من الحيوانات الأولية الصغيرة(Polymastigina) تفرز أنزيم السليليز الذي يحلل السليلوز وإذا حرم النمل الأبيض من البرونوزوا يموت بعد أسابيع قليلة.
        - وتوجد أنواع أخرى من النمل الأبيض تتغذى على بعض أنواع الفطر والمواد العضوية في التربة.

الوضع التقسيمي:
        - المملكة الحيوانية       Kingdom: Animalia          
        - اللافقاريات Division: Invertebratae                    
        - شعبة المفصليات Phylum: Arthropoda                 
        - طائفة الحشرات Class: Hexapoda                         
        - رتبة متشابهة الأجنحةOrder: Isoptera                     
        - فصيلة النمل الأبيض Family: Termitidae              
ويشمل الأنواع التالية:
Resticulitermes  flavipes                                           
Anacathotermes  ochraceus                                     
Psammotermes  fuscofemoralie                                

- وتبني تلك الحيوانات أعشاشها في الخشب المتعفن، أو في الطين وتحكم عزلها عن (البيئة) الخارجية حفاظاً على رطوبة (بيئتها) الداخلية، ولكنها قد تترك فتحات للتهوية، وقد يبلغ ارتفاع بعض هذه البيوت في إفريقيا نحو تسعة أمتار، وقد تبني الأرضة أعشاشها في الأشجار ولكنها تظل متصلة بالأرض بأنفاق مغطاةقاموس القرآن الكريم، معجم الحيوان (مرجع سابق) (ص129).

فوائد الأرضة:
        - تحليل وتدوير المواد السليلوزية.
        - تخصيب وتهوية الأرض الزراعية.
        - غذاء لبعض الحيوانات الأخرى.
        - يتغذى عليها الإنسان.
        - تنتج بعض المضادات الحيوية.
        - تؤدي إلى انطلاق ثاني أكسيد الكربون الميثان وتؤدي إلى الاحتباس الحراري.
        - هي التي أكللت عصى سيدنا سليمان فتحررت الجن من الأعمال الشاقة والمهينة كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ سبأ: (14).

الإعجاز في الأرضة:
        - ارتباطها بأكل العصى يدلل على اكتفائها بالتغذية على المواد الشجرية البالية.
        - وجود التنظيم الدقيق وتوزيع العمل يدل على الإتقان في الخلْق وهداية كل مخلوق إلى ما يصلح عليه حياته كما قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىطه: (50).
        - تشابه الأرضة والجمل في اعتمادهما على الحيوانات الأولية في التحلل الإنزيمي للسليلوز  في جهازها الهضمي ولذلك لو أعطى كل من النمل الأبيض والجمل مبيداً لتلك الحيوانات الأولية في الجهاز الهضمي لهلك كل من الجمل والأرضة جوعاً وجهازها الهضمي متخم بالمواد الغذائية.
المصدر : التنوع الحيوي في القرآن الكريم , نظمي خليل أبو العطا موسى (2011م) 
أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى

التنوع الحيوي في القرآن الكريم الهُدْهُدْ Upupa



التنوع الحيوي في القرآن الكريم الهُدْهُدْ Upupa


   ورد ذكر الهدهد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ 0لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ 0فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ0إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ 0 وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ 0 أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ 0 اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ 0 قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ 0 اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ 0 قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ 0 إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ النمل: (20-30).
        - الهدهد حيوان من الطيور المميزة يعيش ويتكاثر في أغلب مناطق آسيا وأفريقيا وجنوب ووسط أوروبا، يتغذى على الحشرات ويرقاتها وعادة يبحث في الأرض والمسطحات الزراعية بمنقاره للحصول على فريسته، ويشاهد الهدهد كثيراً خلال تقليبه في روث الحيوانات وذلك لاحتوائه على العديد من الحشرات واليرقات. (طيور البحرين والخليج العربي، سعيد عبد الله محمد، مركز البحرين للدراسات والبحوث، مملكة البحرين (ط1) (ص84) (1993م).
        - يتراوح متوسط طول الهدهد من (260) إلى (280)مم، لون الجسم والرأس والأجزاء السفلية برتقالي-بني فاتح-الأجنحة ذات ألوان بيضاء وسوداء تظهر على شكل خطوط عندما يكون الطائر ساكناً، يرقد العُرف المدبب بشكل مسطح على الرأس معظم الوقت ولكن عندما يثار الهدهد ينتصب هذا العُرف ليأخذ شكل المروحة، الذيل معظمه أسود اللون وقاعدته بيضاء، المنقار خفيف الانحناء، طويل ورفيع وذو لون رمادي داكن، الأرجل والأقدام ذات مسحة من اللون الرمادي مع تلوين خفيف من اللون البني أو القرنفلي، قزحية العين بنية اللون.
        - أنثى الهدهد تشبه الذكر، ولكن يوجد في بعض (الأنواع) لون أبيض على منطقة الحلق، وصدرها ذو لون بني، يدور ويتأرجح هذا الطائر أثناء التحليق بطريقة تشبه تحليق الفراشات الكبيرة.
        - يفضل الهدهد الأراضي الدافئة والمستوية والمكشوفة، ويعيش منفرداً ويمكن أن يوجد في المناطق الصحراوية والحدائق والمنتزهات ولكنه يتجنب الأشجار والنباتات الكثيفة يحدد الهدهد مكان فريسته بالرؤية أو عن طريق الصوت، ويطوف باحثاً عن طعامه سيراً على الأقدام، ويجس الأرض بواسطة منقاره الطويل النحيل.

الوضع التقسيمي:

        - المملكة الحيوانية kingdom: Animmalia                
        - شعبة الحبلياتPhylum: Chordata                           
        - طائفة الطيورClass: Aves                                      
        - رتبة الهدهدياتOrder: Pupiformes                         
        - عائلة الهدهدFamily: Pupidae                                
        - جنس الهدهدGenus: Upupa                                  
        - نوع species: epops                                             
الأهمية:
للهدهد العديد من الفوائد والأهمية منها:
        - مقاومة الحشرات الزراعية بالذات حيوياً لذلك يسمى بصديق الفلاح.
        - غذاء لبعض الطيور والحيوانات الأخرى.
        - دليل على قدرة الله في الخلق.
الإعجاز في الهدهد:
        - الشكل الجميل المتميز يدلل على الإبداع والإتقان في الخلق.
        - الهدهد يعلم أن الذي يستحق العبادة بحق هو الله سبحانه وتعالى.
        - لهدهد يراقب البيئة ويشعر بما فيها.

المصدر : التنوع الحيوي في القرآن الكريم , نظمي خليل أبو العطا موسى (2011م) .


أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى

الاثنين، 28 ديسمبر 2015

المحبة في شرح دعاء الندبة

بسم الله الرحمن الرحيم



اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم.

إنّ لدعاء الندبة أثراً لجدّ خطير، لاسيّما إن كان الإخلاص قرين 

الدعاء به، فإنّه إكسير يحوّل الحجر إلى ذهبٍ خالص

والكتاب الذي بين أيديكم يتطرق إلى معاني ألفاظه لغوياً ممّا يهب

 لكم معرفة تساعدكم على وجود التأثر في قلوبكم

اسم الكتاب: المحبة في شرح دعاء الندبة

اسم الكاتب: حليم الحفاظي

رابط تحميل الكتاب: المحبة في شرح دعاء الندبة

الجمعة، 4 ديسمبر 2015

نفحات من القرآن الكريم القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة 5


نفحات من القرآن الكريم
القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة 5


1- معنى النزول:
"النون والزاء واللام كلمة صحيحة تدلّ على هبوط شيء ووقوعه... والتنزيل ترتيب الشيء ووضعه منزله"1. و"الفَرْقُ بَيْنَ الإِنْزَالِ والتَّنْزِيلِ في وَصْفِ القُرآنِ والملائكةِ: أنّ التَّنْزِيل يختصّ بالموضع الذي يُشِيرُ إليه إنزالُه مفرَّقاً، ومرَّةً بعد أُخْرَى، والإنزالُ عَامٌّ، فممَّا ذُكِرَ فيه التَّنزيلُ قولُه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ...﴾2...(وممّا ذُكِرَ فيه الإنزال وأًريد به الدفعة): ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾3"4.

2- الأقوال في نزول القرآن:
ذُكِرَ في نزول القرآن عدّة أقوال5، أبرزها:
أ- القول الأوّل: وهو قول المشهور من العلماء والمفسّرين، ومفاده: أنّ القرآن نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً مدّة إقامة النبي


89


صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنّه قَالَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَكَانَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَكَانَ اللهُ يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ"6.

وقد تعرّضت مجموعة من الروايات لنزول القرآن إلى السماء الدنيا، فأشار بعضها لنزول القرآن إلى السماء الرابعة، وبعضها الآخر لنزوله إلى البيت المعمور أو إلى بيت العزّة وهو في السماء الرابعة. ولكنّها لم توضّح حقيقة المراد من السماء الدنيا أو السماء الرابعة أو البيت المعمور أو بيت العزّة7.

ب- القول الثاني: نزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ما قدَّر الله إنزاله في هذه السنة، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً طيلة السنة. وهكذا كلّ سنة حتى رحيله صلى الله عليه وآله وسلم.

ج- القول الثالث: ابتدأ إنزاله في ليلة القدر، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً في أوقات مختلفة حتى رحيله صلى الله عليه وآله وسلم.

د- القول الرابع: أنّه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة، وأنّ الحفظة نجّمته على جبريل في عشرين ليلة، وأنّ جبريل نجّمه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عشرين سنة، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ الِلهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَةُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عِشْرِينَ سَنَةً"8.

هـ- القول الخامس: التفريق بين الإنزال والتنزيل: وهو ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي قدس سره، حيث أفاد: "أنّ الإنزال دفعي والتنزيل تدريجي... فقوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾9، ظاهر في نزوله تدريجاً


90


في مجموع مدّة الدعوة, وهي ثلاث وعشرون سنة تقريباً، والمتواتر من التاريخ يدلّ على ذلك، ولذلك ربما استشكل عليه بالتنافي (مع آيات أخرى يستفاد من مجموعها نزول القرآن في ليلة القدر). والذي يعطيه التدبّر في آيات الكتاب...: أنّ الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنّما عبّرت عن ذلك بلفظ الإنزال الدالّ على الدفعة دون التنزيل, كقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ...﴾10، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَة﴾11، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾12... وبالجملة، فإنّ المتدبّر في الآيات القرآنية لا يجد مناصاً عن الاعتراف بدلالتها على كون هذا القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدريجاً متكئاً على حقيقة متعالية عن أن تدركها أبصار عقول العامّة أو تتناولها أيدي الأفكار المتلوّثة بألواث الهوسات وقذارات المادّة، وأنّ تلك الحقيقة أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنزالاً، فعلّمه الله بذلك حقيقة ما عناه بكتابه13.

3- فوائد النزول التدريجي:
إنّ نزول القرآن منجّماً طيلة مدّة البعثة النبوية الشريفة يحمل في طياته فوائد وآثاراً بالغة الأهمّيّة, ما كانت لتترتّب لو نزل دفعة واحدة فقط. ومن هذه الفوائد والآثار:
أ- ردّ القرآن على اعتراض الكفار على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾14.

ب- في النزول التدريجي تثبيت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومواساة لقلبه الشريف، وكذلك للمؤمنين


91


من باب أولى. قال تعالى: ﴿فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾15.

ج- إنّ نزول المعارف الدينية بشكل تدريجي تتيح للناس أن ينظّموا شؤون حياتهم الفردية والاجتماعية وفقاً له، ويصلوا من خلال ذلك إلى مرحلة الكمال. وهذا من أفضل أساليب التعليم والتربية. قال تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً16﴾.

د- أتاح النزول التدريجي الفرصة للصحابة لكي يحفظوا آياته بسهولة. وهذا ما أدّى إلى المساهمة في تفويت الفرصة على أعداء الدين الذين أعدّوا العدّة لتحريف القرآن وإطفاء نور الهداية الإلهية.

4- تعريف أسباب النزول:
إنّ كثيراً من السور والآيات لها نوع ارتباط لجهة نزولها بالحوادث والوقائع التي حدثت خلال مدّة البعثة، أو بحاجات تتطلّب إيضاح أحكام الإسلام وقوانينه. وهذه الأمور التي أوجبت نزول السور والآيات تسمّى أسباب النزول. وتقسم آيات القرآن وسُوره من حيث أسباب نزولها، إلى قسمين:
أ- الأول: الآيات والسور التي لها سبب عامّ: وهي خصوص الآيات والسور التي نزلت من غير سبب خاصّ، وتحتوي على المعارف والأحكام الإلهية الحقّة المتعلّقة بهداية الناس في دنياهم وآخرتهم.

ب- الثاني: الآيات والسور التي لها سبب خاصّ: وهي خصوص الآيات والسور التي نزلت في حوادث وقضايا حصلت طيلة مدّة بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, أو سألها الناسُ الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم, من قبيل قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾17، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ


92


الرُّوحِ﴾18، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾19، وسورة الكوثر.

ومن الواضح أنّ لمعرفة سبب النزول تأثير بارز في فهم المراد من الآية من خلال معرفة مصداقها وخصائصه. ومن هنا، فقد اهتمّ العلماء والمفسّرون بجمع روايات أسباب النزول، وإفرادها ضمن دراسات مستقلة. ويرى جلال الدين السيوطي أنّ أقدم كتاب أُلّف في هذا المجال هو كتاب علي بن المديني، أستاذ البخاري. وألّف هو نفسه (السيوطي) كتاباً اسماه "لُبَابُ النُّقُولِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ"20.

5- الفرق بين سبب النزول وشأن النزول:
يكمن الفرق بينهما في: أنّ أسباب النزول تعالج مشكلة حاضرة ـ سواء أكانت حادثة أُبهم أمرُها، أمْ مسألة خفِيَ وجه صوابها، أم واقعة ضلّ سبيل مَخرجِها ـ فنزلت الآية لتعالج شأنها وتضع حلاً لمشكلتها. وهذا أخصّ من شأن النزول, لأنّ الشأن أعمّ مورداً من السبب، وهو الأمر الذي نزل القرآن ليعالج شأنه بياناً وشرحاً، أو اعتباراً بمواضع اعتباره, كما في أكثرية قصص الماضين والإخبار عن أُمم سالِفين..., فنزل القرآن ليعالج هذه الجوانب. فالفارق بين السبب والشأن ـ اصطلاحاً ـ أنّ الأوّل يعني: مشكلة حاضرة لحادثة عارضة، والثاني: مشكلة أمرٍ واقع، سواء أكانت حاضرة أمْ غابرة21.

6- فوائد معرفة أسباب النزول:
إنّ لمعرفة أسباب النزول فوائد جمّة لها بالغ الأثر في فهم القرآن الكريم وتفسيره ومعرفة مقاصده، ومن هذه الفوائد:
أ- معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.


93


ب- معرفة الآيات المكية، والآيات المدنية.
ج- دفع توهّم الحصر، من خلال معرفة دائرة الحكم.
د- معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها.
هـ- الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال، فلا يمكن تفسير الآية من دون الوقوف على أسباب نزولها. فبيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. ففي قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ...﴾22، لو تُرِكْنَا ومدلول اللفظ, لاقتضى الظهور أنّه لا يجب على المصلّي استقبال القبلة أثناء صلاته, سواء في السفر أم في الحضر, وهو خلاف الإجماع، فلمّا عُرِفَ سبب نزولها, عُلِمَ أنّها نازلة بخصوص نافلة السفر23.

7- عموميّة اللفظ أم خصوصيّة السبب؟
اختلف علماء أصول الفقه في عموم روايات أسباب النزول أم اختصاصها بمَن نزلت فيهم؟ والمشهور بينهم - وهو الصحيح - أنّ النصّ القرآني يحمل معنى عامّاً وشاملاً، فإن كان للآية معنى عام، فهي لا تنحصر في إطار الأفراد المعنيين، بل تشمل الجميع، حتى وإن كان لها سبب خاصّ24.

فلو انحصر مُفاد الآيات بأسباب نزولها، لأدّى ذلك إلى فقدان مجموعة كبيرة من آيات القرآن تطبيقاتها، ولغدا القرآن كتاباً خاصّاً بمجموعة قليلة من الماضين فقط.

ومن هنا، فإنّ حكم الآية التي نزلت في سبب أو حادثة معيّنة بحقّ فرد أو أفراد معيّنين، لا ينحصر في مناسبة نزولها فقط، بل ينطبق على جميع الموارد التي


94


تشترك في خصوصيّاتها مع مورد نزول الآية. وهذه الخصوصية هي التي تسمّى في الروايات بـ "الجَرْي" و"الانطباق"25.

سأل الفُضَيل بن يسار الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام عن الحديث المعروف: ما من آية إلاّ ولها ظهر وبطن، وما فيه حرف إلاّ وله حدّ يطلع (ومطلع)، ما يعني بقوله: لها ظهر وبطن؟ قال عليه السلام: "ظهر وبطن هو تأويلها, منه ما قد مضى، ومنه ما لم يجئ، يجري كما تجري الشمس والقمر، كلّما جاء فيه تأويل شيء منه, يكون على الأموات, كما يكون على الأحياء، كما قال الله تعالى: ﴿...يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ...﴾، ونحن نعلمه"26. وعنه عليه السلام - أيضا ً-: "ولو أنّ الآية نزلت في قوم، ثمّ مات أولئك القوم ماتت الآية ولَمَا بقي من القرآن شيء، ولكنّ القرآن يجري أوّله على آخِره ما دامت السماوات والأرض، ولكلّ قومٍ آية يتلونها، هُم منها من خير أو شرّ"27.

وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض المفسّرين ومَن كتبوا في أسباب النزول، قالوا بتعدّد أسباب النزول مع وحدة النزول أحياناً، وبوحدة السبب مع تتعدّد الآيات النازلة فيه أحياناً أخرى28.

8- مدى اعتبار أحاديث أسباب النزول؟
أ- المشكلة: إنّ روايات أسباب النزول بلغت حدّاً ناهزت فيه عدّة آلاف رواية، معظمها ضعيف السند أو مُرسَل، وفيه مشاكل لناحية أنّ بعض الرواة لم يعرِفوا ارتباط نزول الآيات بموارد الحوادث والوقائع, مشافهة وتحمّلاً وحِفظاً، بل يحكون القصّة، ثمّ يربطون بها الآيات المناسبة لها من ناحية المعنى. وفي


95


النتيجة، يكون سبب النزول في الحديث المذكور سبباً نظرياً واجتهادياً، لا سبباً مستفاداً عن طريق المشاهدة والضبط. هذا فضلاً عن وجود تناقض واضح في بعض الروايات التي تنقل حوادث وأسباباً يناقض بعضها البعض الآخر، ولا طريق للجمع بينها، أو أنّ بعض الروايات تروي عن شخص واحد عدّة أسباب للنزول نازلة في آية واحدة.

ومن هنا، فإنّ ورود هذه الأسباب المتناقضة والمتهافتة للنزول يرجع: إمّا إلى كون هذه الأسباب المنقول أسباباً نظرية اجتهادية وليست نقلية محضة، وإمّا إلى أنّ جميع الروايات أو بعضها مدسوس ومجعول، ولا سيّما إذا أخذنا بعين الاعتبار إجراءات التشديد على عدم تدوين الحديث المأثور التي بدأت بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمرّت حتى أواخر القرن الأوّل الهجري (حوالي تسعين سنة تقريباً), فأمام هذا الواقع كَثُرَ وضع الحديث والدسّ فيه ودخول الإسرائيليات على المرويّات. وأمام هذا الواقع، فإنّ كثيراً من الأحاديث تفقد حجيّتها، إلا ما سلم لجهة السند والدلالة.

ب- طريق الحلّ: انطلاقاً من أهمّيّة معرفة أسباب النزول في فهم الآية ومدلولها، كان لا بدّ من إيجاد حلّ عملي للمشاكل المتقدّم ذكرها، حيث إنّ بعض روايات أسباب النزول من دون أدنى شكّ فيه فائدة مهمّة. ومن هنا، ينبغي وضع ضابطة معياريّة في انتقاء روايات أسباب النزول، مفادها التالي: النظر في الحديث، فإذا كان متواتراً أو قطعياً، فيمكن الأخذ بمفادّه. وإلا فنعرضه على الآية موضع البحث، فإذا كان هناك انسجام بين الآية وما حولها من القرائن، وبين مفاد الحديث، عند ذلك يمكن الوثوق بمفاد الحديث الذي اعتُبِرَ سبباً لنزول الآية29.


96

الأفكار الرئيسة

1- التنزيل: تدريجي، والإنزالُ: دفعي.
2- يوجد عدّة أقوال في مسألة نزول القرآن، أشهرها: أنّ القرآن نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً مدّة إقامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة. وأصحّها: أنّه نزل دفعة واحدة على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر، ثمّ نزل منجّماً على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم طيلة سنوات بعثته.
3- من فوائد النزول التدريجي: الردّ على اعتراض الكفار، تثبيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين...
4- سبب النزول: مشكلة حاضرة لحادثة عارضة، وشأن النزول: مشكلة أمرٍ واقع.
5- من فوائد معرفة أسباب النزول: معرفة وجه الحكمة في التشريع، معرفة المكي والمدني...
6- العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصيّة السبب.
7- ضابطة الأخذ بروايات أسباب النزول: الأخذ بالروايات المتواترة أو القطعية، وبأخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية والمتناسبة مع لسان الآية مورد النزول.
فكّر وأجب

1- أَجِبْ بـ "صحّ" أو "خطأ":
- خصوص السبب لا يخصّص عموم لفظ الآية.
- سبب النزول يعالج مشكلة أمر واقع, سواء أكانت الحادثة حاضرة أم ماضية.
- لا يمكن الأخذ من روايات أسباب النزول إلا بما كان منها قطعياً أو متواتراً فقط.

2- أَجِبْ باختصار:
- عدّد أبرز الأقوال في نزول القرآن الكريم، مبيّناً أشهرها وأصحّها؟
- اذكر فوائد النزول التدريجي للقرآن؟
- اذكر فوائد معرفة أسباب النزول؟
مطالعة

من روايات أسباب النزول30
ما رواه محمد بن إسحاق بإسناده عن سعيد بن جبير، وعكرمة، عن ابن عباس: أنّ النضر بن الحرث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، أنفذهما قريش إلى أحبار اليهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وصفا لهم صفته، وخبراهم بقوله، فإنّهم أهل الكتاب الأوّل، وعندهم من علم الأنبياء عليهم السلام ما ليس عندنا. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار اليهود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وقالا لهم ما قالت قريش، فقال لهما أحبار اليهود: إسألوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهنّ, فهو نبيّ مرسَل، وإن لم يفعل, فهو رجل متقوِّل، فرأوا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل, ما كان أمرهم؟ فإنّه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف, قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها, ما كان نبؤه.

وسلوه عن الروح ما هو. - وفي رواية أخرى، فإن أخبركم عن الثنتين، ولم يخبركم بالروح, فهو نبي. فانصرفا إلى مكة، فقالا: يا معاشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم، وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقصّا عليهم القصّة. فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فسألوه، فقال: أخبركم بما سألتم عنه غداً، ولم يستثنِ، فانصرفوا عنه، فمكث صلى الله عليه وآله وسلم, خمس عشرة ليلة، لا يحدث الله إليه في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام, حتى أرجف أهل مكّة، وتكلّموا في ذلك، فشقّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ما يتكلّم به أهل مكّة عليه، ثمّ جاءه جبرائيل عليه السلام, عن الله سبحانه، بسورة الكهف، وفيها ما سألوه عنه, عن أمر الفتية، والرجل الطوّاف، وأنزل عليه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾31.
مصادر الدرس ومراجعه

1- القرآن الكريم.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص417.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص799-800.
4- السيوطي، الإتقان، ج1، ص87-91، 119، 146-14
5- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص41-42, ج2، ص15-18.
6- النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج2، تفسير سورة إنّا أنزلناه، ح1، ص530, كتاب التفسير، ح7، ص222, ح9، ص223.
7- الكليني، الكافي، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح6، ص628-629.
8- الطباطبائي، القرآن في الإسلام، ص59-60، 133-136.
9- معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص267-268.
10- الصفّار، بصائر الدرجات، ج4، باب10، ح2، ص223.
11- العياشي، تفسير العياشي، ج1، باب في ما أُنزِلَ القرآن، ح7، ص10.
12- الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص97-103.
هوامش

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"نزل"، ص417.
2- سورة الشعراء، الآيتان: 193-194.
3- سورة القدر، الآية: 1.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"نزل"، ص799-800.
5- الأقوال الأربعة الأولى ذكرها السيوطي في كتابه الإتقان. انظر: السيوطي، الإتقان، م.س، ج1، ص146-149. والقول الرابع ذكره العلامة السيد الطباطبائي قدس سره في تفسيره الميزان. انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج2، ص15-18.
6- النيسابوري، أبو عبدالله: المستدرك على الصحيحين، إشراف سورة يوسف، الآية عبد الرحمن المرعشلي، لاط، لام، لان، لات، ج2، تفسير سورة إنّا أنزلناه، ح1، ص530.
7- انظر: الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح6، ص628-629, النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، م.س، ج2، كتاب التفسير، ح7، ص222, ح9، ص223.
8- السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص119.
9- سورة الإسراء، الآية: 106.
10- سورة البقرة، الآية: 185.
11- سورة الدخان، الآية: 3.
12- سورة القدر، الآية: 1.
13- انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج2، ص15-18.
14- سورة الفرقان، الآية: 32.
15- سورة يس، الآية: 76.
16- سورة الإسراء، الآية: 106.
17- سورة الكهف، الآية: 83.
18- سورة الإسراء، الآية: 85.
19- سورة النازعات، الآية: 42.
20- انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص87, السيد الطباطبائي، القرآن في الإسلام، م.س، ص133.
21- انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص267-268.
22- سورة البقرة، الآية: 115.
23- انظر: السيوطي، الإتقان، م.س، ج1، ص87-89.
24- انظر: م. ن
25-انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص41-42, السيد السيد الطباطبائي، القرآن في الإسلام، م.س، ص59-60.
26- الصفّار، بصائر الدرجات، م. س، ج4، باب10، ح2، ص223.
27- العياشي، تفسير العياشي، م.س، ج1، باب في ما أُنزِلَ القرآن، ح7، ص10.
28- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص97-103.
29- انظر: السيد الطباطبائي، القرآن في الإسلام، م.س، ص133-136.
30- انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص313-314.
31- سورة الإسراء، الآية: 85.

الكاتب
الشيخ عباس محمد

نفحات من القرآن الكريم القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة4


نفحات من القرآن الكريم
القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة4

- ضرورة الوحي:
إنّ الإنسان مفطور على حبّ الانتفاع ودفع المضارّ واستخدام غيره من بني نوعه. وبفعل وجود الاختلاف الضروري بين أفراد الإنسان من حيث الخِلْقَة وطريقة العيش والعادات والتقاليد... شدّة وضعفاً, كان من الطبيعي أن يَظهر الاختلاف في اقتناء المزايا الحيوية، بحيث يستفيد القوي أكثر من الضعيف, بما يؤدّي إلى الإخلال بميزان العدل الاجتماعي بين الناس, ما استدعى وضع قوانين ترفع الاختلافات الطارئة والمشاجرات في لوازم الحياة.

ومن الطبيعي أن يكون مصدر هذه القوانين من غير الفطرة, لأنّ ما به الاختلاف لا يصلح وحده لأن يكون مصدراً للحلّ, فكان بذلك النوع البشري محتاجاً إلى مصدر آخر يُصلِح الفطرة بالفطرة، وينسجم معها، ويعدل قواها المختلفة عند طغيانها، وينظّم للإنسان حياته الدنيوية والأخروية1.

ومن هنا، كان الوحي صلة وصل بين الله تعالى وخلقه, يكشف لهم عن المعارف الإلهية والحقائق الربّانية اللازمة لرفع الاختلاف والوصول إلى سعادة النوع


71


الإنساني. ولأنّ العقل البشري وحده قاصر عن إدراك هذه الحقائق والمعارف والكشف عنها, كان من الضروري أن يجعل الله تعالى طريقاً آخراً ينسجم مع العقل والفطرة ويكمّلهما: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ...﴾2.

2- إمكانية الوحي ووقوعه:
يمتلك الإنسان وراء شخصيَّته المادّيّة الظاهرة شخصيَّة أخرى معنوية باطنة، من شأنها أن تتيح له الارتباط بعالم معنوي أعلى مجرّد عن المادّة ولوازمها، فالإنسان في عالم الدنيا موجود مركّب من روح وجسد، يرتبط بالعالم المادّي بجسده ويحمل خصائصه وقابليّاته: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾، ويرتبط بالعالم المجرّد بروحه ويحمل خصائصه وقابليّاته -أيضاً -: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾3. وهذا الخلْق الآخر هو وجود الإنسان الروحي الذي أفاضه الله تعالى، فمنه مبدؤه: ﴿...وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾4، وإليه منتهاه: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾5.

وعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله عزّ وجلّ: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾6، قال: "إنّ الله عزّ وجلّ خلق خلقاً وخلق روحاً، ثم أمر ملكاً فنفخ فيه"7.

ومن هذا المنطلق، لا مانع للإنسان مِن أن يتَّصل في جانبه المعنوي والروحي


72


بالعالم المجرّد، طالما أنّ روحه تحمل خصائص هذا العالم وقابليّاته, فيكون هذا الاتّصال خفيّاً لا يحمل خصائص المادّة، ولا يخضع لقوانينها الطبيعية, وهو ما يشكّل ظاهرة الوحي.

وقد نزل الوحي على امتداد تاريخ البشرية حتّى انقطاعه برحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جميع الأنبياء عليهم السلام الذين وجد الله تعالى فيهم الأهلية اللازمة لتلقّي الوحي الإلهي, بحيث خصّهم بذلك من دون غيرهم من الناس: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ...﴾8.

3- حقيقة الوحي وكيفية حصوله:
هو إدراك خاصّ مختلف عن سائر الإدراكات البشرية المشتركة بين أفراد البشر كافّة، والمتحصّلة عن طريق الحسّ أو العقل أو الغريزة أو الوجدان، يُوجِده الله تعالى في أنبيائه عليهم السلام إيجاداً لا يعتريه لبس أو شكّ أو خطأ، ولا يحتاجون فيه إلى إعمال نظر، أو توسّل دليل، أو إقامة برهان، أو حجّة, كما هو شأن الإدراكات البشرية. قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ...﴾9, فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يتلقّى الوحي الإلهي بنفسه الشريفة من غير توسّط الحواس الظاهرة, فيسمع ويرى من غير وساطة السمع والبصر الماديّين, وإلا لكان من الممكن أن يسمع ويرى غيره من الناس, ما سمعه ورأه بالوحي، وَلَما كان الوحي حينها من مختصّات مقام النبوّة.

ويوجد أمر لا نستطيع إدراكه في ظاهرة الوحي، وإن كنّا نعتبره واقعاً حقّاً، ونؤمن به إيماناً صادقاً، وهو: كيف يقع هذا الاتّصال الروحي؟ والسبب في ذلك: أنّ الوحي ليس من سنخ عالم المادّة والمادّيات, لكي نستطيع إدراك كنهه أو تحديد كيفية حصوله، وكلّ ما باستطاعتنا إنَّما هو التعبير عنه على نحو التشبيه والاستعارة، أو


73


المجاز والكناية لا أكثر، فهو ممّا يُدرَك ولا يُوصَف. فالوحي ظاهرة روحية يدركها مَن يصلُح لها، ولا يستطيع غيره أن يصِفها وصفاً بالكُنه، ما عدا التعبير عنها بالآثار والعوارض هذا فحسب. وكذلك التعبير بنزول الوحي أو المَلَك هو تعبير مجازي، وليس سوى إشراقة وإفاضة قدسية ملَكوتية يجدها النبيّ عليه السلام حاضرة نفسه، مُلقاة عليه من خارج روحه10.

4- عدم استمرارية الوحي النبوي:
الوحي النبوي مختصّ بالأنبياء عليهم السلام, وقد انقطع الوحي بعد رحيل خاتم النبيين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم, حيث اكتملت الرسالة الخاتمة: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ...﴾11، وأُمِرَ الناس أن يتّبعوا رسالة الإسلام وترك باقي الرسالات السابقة: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾12، وأن يسيروا على هديها مستضيئين بهدي الإمامة الحاملة لحقائق هذه الرسالة، والمبيّنة لها، والضامنة لتطبيقها الصحيح: ﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا...﴾13.

وعن الإمام علي عليه السلام: "بأبي أنت وأمّي، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك, من النبوّة، والأنباء، وأخبار السماء"14. وتجدر الإشارة إلى أنّ انقطاع الوحي النبوي برحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يستلزم انقطاع الاتّصال مع الله سبحانه وتعالى, حيث إنّ جبرائيل عليه السلام كان ينزل على فاطمة عليها السلام بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدّثها. روي عن الإمام الصاق عليه السلام: "إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله


74


صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها، فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريّتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام".15

وأمّا الاتّصال بالغيب فموجود بين الله تعالى وحجّته في أرضه الإمام المعصوم عليه السلام فهو محدّث وإن لم يكن موحى إليه وحياً نبويّاً لختم النبوة بخاتم المرسلين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. عن بريد العجلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرسول والنبيّ والمحدَّث، قال: الرسول الذي تأتيه الملائكة وتبلِّغه عن الله تبارك وتعالى، والنبي الذي يرى في منامه فما رأى فهو كما رأى، والمحدَّث الذي يسمع كلام الملائكة وينقر في أُذنه وينكت في قلبه16.

وعن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا﴾17 قلت: ما الفرق بين الرسول والنبيّ؟ قال: "النبي هو الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول يعاين الملك ويكلِّمه، قلت: فالإمام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين"18.

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إنّ منّا لمن يعاين معاينة، وإنّ منّا لمن يُنقَر في قلبه كيت وكيت، وإنّ منّا لمن يسمع كما يقع السلسلة كله يقع في الطست". قلت: فالذين يعانيون ما هم؟ قال: "خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل"19.


75


5- كتّاب الوحي:
كتَّاب الوحي كُثُر، أبرزهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام, حيث حُظِيَ بكتابة الوحي من أوّل نزوله في مكة إلى حين انقطاعه, برحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: عن الإمام علي عليه السلام: "فما نزلتْ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها فكتبتُها بخطي، وعلَّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصَّها وعامَّها"20. وعنه عليه السلام - أيضاً -: "يا طلحة إنَّ كلَّ آية أنزلها الله على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطي بيدي وتأويل كلّ آية"21.

وممّن كتب الوحي بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
أبي بن كعب الأنصاري: وهو أوّل من كتب له صلى الله عليه وآله وسلم الوحي في المدينة، وقد عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه القرآن كملاً، وكان ممّن حضر العرضة الأخيرة في من حضر، وتولّى الإشراف على الكَتَبَة في لجنة توحيد المصاحف على عهد عثمان، حيث كانوا يرجعون إليه عند الاختلاف22.

- زيد بن ثابت: كان يسكن في المدينة بجوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ويكتب له صلى الله عليه وآله وسلم إذا غاب أُبَي بن كعب، حتى أصبح لاحقاً من الكتّاب الرسميين23.

- والذي عليه المحقّقون من أهل السيرة: أنّ الوحي كان يكتبه الإمام علي عليه السلام, وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأنّ حنظلة بن الربيع ومعاوية بن أبي سفيان لم يكتبا الوحي وإنّما كانا يكتبان له إلى الملوك وإلى رؤساء القبائل، ويكتبان حوائجه بين يديه، ويكتبان ما يجيء من أموال الصدقات وما يقسّم في أربابها24.


76


6- شبهات حول الوحي:
أ- الشبهة الأولى: الوحي عبارة عن إلهامات روحية تنبعث من داخل نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وليس وارداً عليه من الله تعالى, لاستحالة الاتّصال بين الله تعالى والإنسان, كونه يستلزم تحديد الله عزّ وجلّ!25

الجواب: إنّ عدم فهْم حقيقة الاتّصال الروحيّ الخفيّ بين المَلأ الأعلى وجانب الإنسان الروحي لا يعنى إنكار هذا الاتّصال، فالإنسان يتلقّى بروحه إفاضات تأتيه من ملَكوت السماء، وإشراقات نورية تشعّ على نفسه من عالَم وراء هذا العالم المادّي، وليس في ذلك اتّصالاً أو تقارباً مكانيّاً, لكي يستلزم تحيّزاً في جانبه تعالى. ولعلّ منشأ هذه الشبهة أنّهم قاسُوا من أمور ذاك العالم غير المادّي بمقاييس تخصّ العالم المادّي.

ب- الشبهة الثانية: من أين عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه مبعوث؟26
الجواب: يجب على الله ـ وجوباً منبعثاً من مقام لُطفه ورأفته بعباده ـ أن يقرِن تنبيئه إنساناً بدلائل نيّرة، لا تدَع لمسارب الشكّ مجالاً في نفسه. وهذا هو مقتضى قاعدة اللطف، وتتلخّص في: تمهيد سبيل الطاعة, فواجب عليه تعالى أن يُمهِّد لعباده جميع ما يقرّبهم إلى الطاعة ويبعّدهم عن المعصية، وهذا الوجوب منبعث من مقام حكمته تعالى, إذا كان يريد من عِباده الانقياد، وإلاّ كان نقضاً لغرضه من التكليف، ومن ثَمّ وجب عليه تعالى أن يبعث الأنبياء عليهم السلام, وينزّل الشرائع، ويجعل في الأمم ما ينير لهم درب الحياة، إمّا إلى سعادة, فباختيارهم، أو إلى شقاء, فباختيارهم أيضاً27. وطبقاً لهذه القاعدة، لا يدع تعالى مجالاً لتدليس أهل


77


الزَيغ والباطل، إلاّ ويفضحهم من فورهم. روي عن الإمام الصادق عليه السلام, أنّه سُئل عليه السلام: كيف عَلمت الرسُل أنَّها رسُل؟ قال: "كُشِفَ عنهم الغطاء"28.

إذن، فلا بدَّ أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين انبعاثه نبيّاً على عِلم يقين، بل حقّ يقين من أمْره، لا يشكّ ولا يضطرب، مستيقناً، مطمئنّاً بالله، مَرعيّاً بعناية الله تعالى ولُطفه الخاصّ، منصوراً، مؤيَّداً، ولاسيَّما في بدْء البعثة، فيأتيه الناموس الأكبر وهو الحقّ الصِراح معايَناً مشهوداً، وهي موقعية حاسمة لا ينبغي لنبيّ أن يتزلزل فيها، أو يتروّع منها: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾.

وأيضاً فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يخترْه الله لنبوَّته إلاّ بعد أن أكمل عقله وأدَّبه، فأحسن تأديبه، وعرَّفه من أسرار ملكوت السماوات والأرض, ما يؤهّله للقيام بمهمَّة السفارة وتبليغ رسالة الله إلى العالمين, كما فَعل بإبراهيم الخليل عليه السلام.

عن الإمام علي عليه السلام: "ولقد قرَنَ الله به من لدُن أن كان فطيماً أعظم مَلك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم, ليله ونهاره.."29.

وعن الإمام العسكري عليه السلام: "فلمّا استكمل أربعين سنة، نظر الله عزّ وجلّ إلى قلبه، فوجده أفضل القلوب، وأجلها، وأطوعها، وأخشعها، وأخضعها، فأذن لأبواب السماء ففتحت، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليهم، وأمر بالرحمة، فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغمرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور، طاووس الملائكة هبط إليه، وأخذ بضبعه وهزّه، وقال: يا محمد اقرأ. قال: وما أقرأ؟ قال: يا محمد ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، ثمّ أوحى (إليه) ما أوحى إليه ربّه عزّ وجلّ"30.


78


ج- الشبهة الثالثة: هل يجوز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخطأ في ما يُوحى إليه؟31

الجواب: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يُخطِئ في ما يُوحى إليه، ولا يلتبس عليه الأمر قطّ، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عندما يوحى إليه يُكشف عنه الغطاء، فيرى الواقعية في ما يتَّصل بجانب روحه الملكوتي، منقطعاً عن صوارف المادَّة، فيلمس حينذاك تجلّيات وإشراقات نورية تغشاه من عالم الملكوت, لينصرف بكلّيته إلى لقاء روح الله وتلقّي كلماته، فيرى حقيقة الحقّ النازل عليه بشعورٍ واعٍ وبصيرةٍ نافذة, كمَن يرى الشمس في وضَح النهار، لا يحتمل خطأً في إبصاره، ولا التباساً في ما يعِيه. وهكذا الوحي، إذ لم يكن فكرة نابعة من داخل الضمير, ليحتمل الخطأ في ترتيب مقدّمات استنتاجها، أو إبصاراً من بعيد, ليتحمَّل التباساً في الانطباق، بل هي مشاهدةُ حقيقةٍ حاضرة بعَين نافذة، فاحتمال الخطأ فيه مستحيل.

عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف لم يخفْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ما يأتيه من قِبل الله أن يكون ممّا ينزغ به الشيطان؟ فقال عليه السلام: "إنّ الله إذا اتّخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قِبل الله مثل الذي يراه بعينه"32, أي: يجعله في وضَح الحقّ، لا غبار عليه أبداً، فيرى الواقع ناصعاً جلياً لا يشكّ ولا يضطرب في رأيه ولا في عقله.

ومن الأدلّة القرآنية على ذلك:
- عهد الله تعالى لنبيّه بالرعاية والحِفظ: ﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى﴾33، حيث كان صلى الله عليه وآله وسلم في بدء نزول القرآن يخشى أن يفوته شيء، فكان يساوق جبرائيل عليه السلام في ما يلقي عليه كلمة بكلمة، فنُهِيَ عن ذلك: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ


79


وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾34، و﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾35.

- قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾36، فإنّه يقطع أيّ احتمال للدسّ والتزوير في نصوص القرآن الكريم.

- استحالة تلبيس إبليس وتدخّله في ما يُوحى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وجعل تسويلاته الشيطانية في صورة وحي يلتبس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها، فيظنّها وحياً, لأنَّ الشيطان لا يستطيع الاستحواذ على عقلية رسُل الله وعباده المكرَمين: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾37، ومتنافٍ مع قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾38، وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾39، وقوله تعالى - حكاية عن قول إبليس -: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾40.

أضف إلى ذلك أنّ هذا الخطأ المحتمل في تلقّي الوحي وتبليغه إلى الناس متنافٍ مع قاعدة اللطف الآنفة الذكر، ومتناقض مع حكمته تعالى في بعْث الأنبياء عليهم السلام.


80

الأفكار الرئيسة

1- الوحي صلة وصل بين الله تعالى وخلقه, يُكشَف لهم من خلاله عن المعارف الإلهية والحقائق الربّانية اللازمة لرفع الاختلاف الحاصل بالفطرة، والوصول إلى سعادة النوع الإنساني.
2- يمتلك الإنسان وراء شخصيَّته المادّيّة الظاهرة شخصيَّة أخرى معنوية باطنة، من شأنها أن تتيح له الارتباط بعالم معنوي أعلى مجرّد عن المادّة ولوازمها.
3- الوحي إدراك خاصّ مختلف عن سائر الإدراكات البشرية المشتركة بين كافّة أفراد البشر والمتحصّلة عن طريق الحسّ أو العقل أو الغريزة أو الوجدان، يوجده الله تعالى في أنبيائه عليهم السلام إيجاداً لا يعتريه لبس أو شكّ أو خطأ، ولا يحتاجون فيه إلى إعمال نظر أو توسّل دليل...
4- الوحي مختصّ بالأنبياء عليهم السلام, وقد انقطع بعد رحيل خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
5- من كتّاب الوحي: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام, وأبي بن كعب الأنصاري، وزيد بن ثابت...
6- من الشبهات المثارة حول الوحي: هو عبارة عن إلهامات روحية تنبعث من داخل نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم! من أين عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه مبعوث! هل يجوز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخطأ في ما يُوحى إليه؟
فكّر وأجب

1- أَجِبْ بـ (صحّ) أو (خطأ):
- ينسجم الوحي مع العقل ولا ينسجم مع الفطرة.
- يمكن تبرير إمكانية وقوع الوحي من طريق الشرع لا العقل.
- لا يحتاج النبي عليه السلام في تلقي الوحي إلى إعمال نظر أو إقامة دليل.

2- أَجِبْ باختصار:
- هل يوجد ضرورة للوحي في حياة الإنسان؟
- كيف يعرف النبي عليه السلام أنّه مبعوث؟
- هل يمكن أن يخطأ النبي عليه السلام في ما يُوحى إليه؟
مطالعة

بطلان دعوى كتابة معاوية للوحي41
إنّ الناس يشبّه عليهم أمر معاوية بأن يقولوا كان كاتب الوحي، وليس ذاك بموجب له فضيلة, وذلك أنّه قُرِنَ في ذلك إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فكانا يكتبان له الوحي، وهو الذي قال: سأنزل مثل ما أنزل الله... فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُملي عليه: والله غفورٌ رحيم، فيكتب: والله عزيزٌ حكيم، ويملي عليه: والله عزيزٌ حكيم، فيكتب: والله عليم حكيم، فيقول له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو واحد. فقال عبد الله بن سعد: إنّ محمداً لا يدري ما يقولُ. إنّه يقول، وأنا أقول غير ما يقول، فيقول لي: هو واحد، هو واحد. إن جاز هذا, فإنّي سأنزل مثل ما أنزل الله. فأنزل الله فيه: ﴿وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ...﴾42، فهرب وهجا النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من وجد عبد الله بن سعد بن أبي سرح ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة, فليقتله، وإنّما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول له في ما يغيّره هو واحد، هو واحد, لأنّه لا ينكتب ما يريده عبد الله، إنّما ينكتب ما كان يُمليه، فقال: هو واحد غيّرتَ أمْ لَمْ تغيّر، لَمْ ينكتبْ ما تكتبه، بل ينكتب ما أمليه عن الوحي وجبرائيل يصلحه.

وفي ذلك دلالة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم, ووجه الحكمة في استكتابه صلى الله عليه وآله وسلم الوحي معاوية وعبد الله بن سعد، وهما عدوّان له صلى الله عليه وآله وسلم: هو أنّ المشركين قالوا: إنّ محمداً يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، ويأتي في كلّ حادثة بآية يزعم أنّها أنزلت عليه، وسبيل من يضع الكلام في حوادث، يحدث في بعض الأوقات أن يغيّر عليه الألفاظ عن حاله الأولى لفظاً ومعنى أو لفظاً دون معنى، فاستعان في كتابة ما ينزل عليه في الحوادث الواقعة بعدوَّين له في دينه، عدلَين عند أعدائه, ليعلم الكفّار والمشركون أنّ كلامه في ثاني الأمر كلّه في الأوّل غير مغيّر، ولا مزال عن جهته, فيكون أبلغ للحجّة عليهم، ولو استعان في ذلك بوليِّيَن، مثل: سلمان، وأبي ذر، وأشباههما, لكان الأمر عند أعدائه غير واقع هذا الموقع، وكانت تتخيّل فيه التواطؤ والتطابق. فهذا وجه الحكمة في استكتابهما واضح بيّن.
مصادر الدرس ومراجعه

1- القرآن الكريم.
2- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص112-12
3- الطباطبائي، القرآن في الإسلام، ص96-106.
4- ابن بابويه، التوحيد، باب معنى قوله عزّ وجلّ: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي...﴾، ح6، ص172.
5- معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص90-93، 108-131.
6- الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج1، الخطبة192(القاصعة)، ص157, ج2، الخطبة235، ص228.
7- الكليني، الكافي، ج1، كتاب العقل والجهل، باب اختلاف الحديث، ح1، ص64, كتاب الحجّة، باب فيه ذِكر الصحيفة...، ح 5، ص 241.
8- الهلالي، كتاب سليم بن قيس، ص211.
9- ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج2، ص340-341، 358-362.
10- العسقلاني، الإصابة، ص180-182، 490-493.
11- الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد، ج1، الخطبة25، ص338.
12- الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص444-445.
13- البرقي، المحاسن، كتاب العلل، ح85، ص328.
14- تفسير الإمام العسكري عليه السلام, ح78، ص156-157.
15- العياشي، تفسير العياشي، ج2، تفسير سورة يوسف، ح106، ص201.
16- الصفّار، بصائر الدرجات، م. س، ج 5، باب 7، ح 1، ص 251, ج 8، باب 1، ح 1 – 2، ص 388.
هوامش

1- انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج2، ص113-123, القرآن في الإسلام، تعريب أحمد وهبي، ط1، بيروت، دار الولاء، 1422هـ.ق/ 2001م، ص96-106.
2- سورة البقرة، الآية: 213.
3- سورة المؤمنون، الآيات: 12-14.
4- سورة مريم، الآية: 9.
5- سورة الفجر، الآيتان: 27-28.
6- سورة الحجر، الآية: 29.
7- الشيخ الصدوق، التوحيد، م.س، باب معنى قوله عزّ وجلّ: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي...﴾، ح6، ص172.
8- سورة النساء، الآية: 163.
9- سورة الشعراء، الآيتان: 193-194.
10-انظر: السيد الطباطبائي، القرآن في الإسلام، م.س، ص112-113, معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص90-91.
11- سورة الأحزاب، الآية: 40.
12- سورة آل عمران، الآية: 85.
13- سورة المائدة، الآية: 3.
14- العلوي، (الشريف الرضي): نهج البلاغة (الجامع لخطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ورسائله وحكمه)، شرح محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر, مطبعة النهضة، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش، ج2، الخطبة235، ص228.
15- الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج1، كتاب الحجّة، باب فيه ذِكْر الصحيفة...، ح5، ص241.
16- الصفّار، محمد بن الحسن: بصائر الدرجات، تصحيح وتعليق وتقديم حسن كوچه باغي، لاط، طهران، منشورات الأعلمي, مطبعة الأحمدي، 1404هـ.ق/ 1362هـ.ش، ج8، باب1، ح1، ص388.
17- سورة مريم، الآية: 54.
18- المصدر السابق، ح2.
19- المصدر السابق، ج5، باب7، ح1، ص251.
20- الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج1، كتاب العقل والجهل، باب اختلاف الحديث، ح1، ص64.
21- الهلالي، سليم بن قيس: كتاب سليم بن قيس، تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني، ط1، إيران، نشر دليل ما, مطبعة نكارش، 1422هـ.ق/ 1380هـ.ش، ص211.
22- م. ن، ص340-341, العسقلاني، أحمد بن علي(ابن حجر): الإصابة، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود, علي محمد معوّض، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415هـ.ق، ص180-182.
23- انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، م.س، ج2، ص358-362, ابن حجر، الإصابة، م.س، ج2، ص490-493.
24- انظر: العلوي، (الشريف الرضي): نهج البلاغة(الجامع لخطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ورسائله وحكمه)، شرح ابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، لام، دار إحياء الكتب العربية, عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، 1378هـ.ق/ 1959م، ج1، الخطبة25، ص338.
25- انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص91-93.
26- انظر: م. ن، ص108-117.
27- انظر: الحلي، الحسن بن سورة يوسف، الآية بن المطهّر: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق حسن زاده آملي، ط7، قم المقدّسة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، 1417هـ.ق، ص444-445.
28- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد: المحاسن، تحقيق جلال الدين الحسيني(المحدِّث)، ط1، طهران، دار الكتب الإسلامية, مطبعة رنكين، 1370هـ.ق/ 1330هـ.ش، كتاب العلل، ح85، ص328.
29- نهج البلاغة، شرح محمد عبده، م.س، ج1، الخطبة192(القاصعة)، ص157.
30- تفسير الإمام العسكري عليه السلام, تحقيق مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ط1، قم المقدّسة، نشر مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف, مطبعة مهر، 1409هـ.ق، ح78، ص156-157.
31- انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص108-109, 117-131.
32- العياشي، محمد بن مسعود: تفسير العياشي، تحقيق وتصحيح وتعليق هاشم الرسولي المحلاتي، لاط، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، لات، ج2، تفسير سورة سورة يوسف، الآية، ح106، ص201.
33- سورة الأعلى، الآية: 6.
34- سورة القيامة، الآيات: 16-19.
35- سورة طه، الآية: 114.
36- سورة الحجر، الآية: 9.
37- سورة الإسراء، الآية: 65.
38- سورة الحاقّة، الآيتان: 44-45.
39- سورة النجم، الآيات: 3-5.
40- سورة إبراهيم، الآية: 22.
41- انظر: الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، م.س، باب معنى استعانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعاوية في كتابة الوحي، ح1، ص346-348.
42- سورة الأنعام، الآية: 93.