الاثنين، 28 ديسمبر 2015

المحبة في شرح دعاء الندبة

بسم الله الرحمن الرحيم



اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم.

إنّ لدعاء الندبة أثراً لجدّ خطير، لاسيّما إن كان الإخلاص قرين 

الدعاء به، فإنّه إكسير يحوّل الحجر إلى ذهبٍ خالص

والكتاب الذي بين أيديكم يتطرق إلى معاني ألفاظه لغوياً ممّا يهب

 لكم معرفة تساعدكم على وجود التأثر في قلوبكم

اسم الكتاب: المحبة في شرح دعاء الندبة

اسم الكاتب: حليم الحفاظي

رابط تحميل الكتاب: المحبة في شرح دعاء الندبة

الجمعة، 4 ديسمبر 2015

نفحات من القرآن الكريم القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة 5


نفحات من القرآن الكريم
القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة 5


1- معنى النزول:
"النون والزاء واللام كلمة صحيحة تدلّ على هبوط شيء ووقوعه... والتنزيل ترتيب الشيء ووضعه منزله"1. و"الفَرْقُ بَيْنَ الإِنْزَالِ والتَّنْزِيلِ في وَصْفِ القُرآنِ والملائكةِ: أنّ التَّنْزِيل يختصّ بالموضع الذي يُشِيرُ إليه إنزالُه مفرَّقاً، ومرَّةً بعد أُخْرَى، والإنزالُ عَامٌّ، فممَّا ذُكِرَ فيه التَّنزيلُ قولُه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ...﴾2...(وممّا ذُكِرَ فيه الإنزال وأًريد به الدفعة): ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾3"4.

2- الأقوال في نزول القرآن:
ذُكِرَ في نزول القرآن عدّة أقوال5، أبرزها:
أ- القول الأوّل: وهو قول المشهور من العلماء والمفسّرين، ومفاده: أنّ القرآن نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً مدّة إقامة النبي


89


صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنّه قَالَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَكَانَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَكَانَ اللهُ يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ"6.

وقد تعرّضت مجموعة من الروايات لنزول القرآن إلى السماء الدنيا، فأشار بعضها لنزول القرآن إلى السماء الرابعة، وبعضها الآخر لنزوله إلى البيت المعمور أو إلى بيت العزّة وهو في السماء الرابعة. ولكنّها لم توضّح حقيقة المراد من السماء الدنيا أو السماء الرابعة أو البيت المعمور أو بيت العزّة7.

ب- القول الثاني: نزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ما قدَّر الله إنزاله في هذه السنة، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً طيلة السنة. وهكذا كلّ سنة حتى رحيله صلى الله عليه وآله وسلم.

ج- القول الثالث: ابتدأ إنزاله في ليلة القدر، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً في أوقات مختلفة حتى رحيله صلى الله عليه وآله وسلم.

د- القول الرابع: أنّه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة، وأنّ الحفظة نجّمته على جبريل في عشرين ليلة، وأنّ جبريل نجّمه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عشرين سنة، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ الِلهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَةُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عِشْرِينَ سَنَةً"8.

هـ- القول الخامس: التفريق بين الإنزال والتنزيل: وهو ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي قدس سره، حيث أفاد: "أنّ الإنزال دفعي والتنزيل تدريجي... فقوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾9، ظاهر في نزوله تدريجاً


90


في مجموع مدّة الدعوة, وهي ثلاث وعشرون سنة تقريباً، والمتواتر من التاريخ يدلّ على ذلك، ولذلك ربما استشكل عليه بالتنافي (مع آيات أخرى يستفاد من مجموعها نزول القرآن في ليلة القدر). والذي يعطيه التدبّر في آيات الكتاب...: أنّ الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنّما عبّرت عن ذلك بلفظ الإنزال الدالّ على الدفعة دون التنزيل, كقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ...﴾10، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَة﴾11، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾12... وبالجملة، فإنّ المتدبّر في الآيات القرآنية لا يجد مناصاً عن الاعتراف بدلالتها على كون هذا القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدريجاً متكئاً على حقيقة متعالية عن أن تدركها أبصار عقول العامّة أو تتناولها أيدي الأفكار المتلوّثة بألواث الهوسات وقذارات المادّة، وأنّ تلك الحقيقة أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنزالاً، فعلّمه الله بذلك حقيقة ما عناه بكتابه13.

3- فوائد النزول التدريجي:
إنّ نزول القرآن منجّماً طيلة مدّة البعثة النبوية الشريفة يحمل في طياته فوائد وآثاراً بالغة الأهمّيّة, ما كانت لتترتّب لو نزل دفعة واحدة فقط. ومن هذه الفوائد والآثار:
أ- ردّ القرآن على اعتراض الكفار على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾14.

ب- في النزول التدريجي تثبيت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومواساة لقلبه الشريف، وكذلك للمؤمنين


91


من باب أولى. قال تعالى: ﴿فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾15.

ج- إنّ نزول المعارف الدينية بشكل تدريجي تتيح للناس أن ينظّموا شؤون حياتهم الفردية والاجتماعية وفقاً له، ويصلوا من خلال ذلك إلى مرحلة الكمال. وهذا من أفضل أساليب التعليم والتربية. قال تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً16﴾.

د- أتاح النزول التدريجي الفرصة للصحابة لكي يحفظوا آياته بسهولة. وهذا ما أدّى إلى المساهمة في تفويت الفرصة على أعداء الدين الذين أعدّوا العدّة لتحريف القرآن وإطفاء نور الهداية الإلهية.

4- تعريف أسباب النزول:
إنّ كثيراً من السور والآيات لها نوع ارتباط لجهة نزولها بالحوادث والوقائع التي حدثت خلال مدّة البعثة، أو بحاجات تتطلّب إيضاح أحكام الإسلام وقوانينه. وهذه الأمور التي أوجبت نزول السور والآيات تسمّى أسباب النزول. وتقسم آيات القرآن وسُوره من حيث أسباب نزولها، إلى قسمين:
أ- الأول: الآيات والسور التي لها سبب عامّ: وهي خصوص الآيات والسور التي نزلت من غير سبب خاصّ، وتحتوي على المعارف والأحكام الإلهية الحقّة المتعلّقة بهداية الناس في دنياهم وآخرتهم.

ب- الثاني: الآيات والسور التي لها سبب خاصّ: وهي خصوص الآيات والسور التي نزلت في حوادث وقضايا حصلت طيلة مدّة بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, أو سألها الناسُ الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم, من قبيل قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾17، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ


92


الرُّوحِ﴾18، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾19، وسورة الكوثر.

ومن الواضح أنّ لمعرفة سبب النزول تأثير بارز في فهم المراد من الآية من خلال معرفة مصداقها وخصائصه. ومن هنا، فقد اهتمّ العلماء والمفسّرون بجمع روايات أسباب النزول، وإفرادها ضمن دراسات مستقلة. ويرى جلال الدين السيوطي أنّ أقدم كتاب أُلّف في هذا المجال هو كتاب علي بن المديني، أستاذ البخاري. وألّف هو نفسه (السيوطي) كتاباً اسماه "لُبَابُ النُّقُولِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ"20.

5- الفرق بين سبب النزول وشأن النزول:
يكمن الفرق بينهما في: أنّ أسباب النزول تعالج مشكلة حاضرة ـ سواء أكانت حادثة أُبهم أمرُها، أمْ مسألة خفِيَ وجه صوابها، أم واقعة ضلّ سبيل مَخرجِها ـ فنزلت الآية لتعالج شأنها وتضع حلاً لمشكلتها. وهذا أخصّ من شأن النزول, لأنّ الشأن أعمّ مورداً من السبب، وهو الأمر الذي نزل القرآن ليعالج شأنه بياناً وشرحاً، أو اعتباراً بمواضع اعتباره, كما في أكثرية قصص الماضين والإخبار عن أُمم سالِفين..., فنزل القرآن ليعالج هذه الجوانب. فالفارق بين السبب والشأن ـ اصطلاحاً ـ أنّ الأوّل يعني: مشكلة حاضرة لحادثة عارضة، والثاني: مشكلة أمرٍ واقع، سواء أكانت حاضرة أمْ غابرة21.

6- فوائد معرفة أسباب النزول:
إنّ لمعرفة أسباب النزول فوائد جمّة لها بالغ الأثر في فهم القرآن الكريم وتفسيره ومعرفة مقاصده، ومن هذه الفوائد:
أ- معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.


93


ب- معرفة الآيات المكية، والآيات المدنية.
ج- دفع توهّم الحصر، من خلال معرفة دائرة الحكم.
د- معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها.
هـ- الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال، فلا يمكن تفسير الآية من دون الوقوف على أسباب نزولها. فبيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. ففي قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ...﴾22، لو تُرِكْنَا ومدلول اللفظ, لاقتضى الظهور أنّه لا يجب على المصلّي استقبال القبلة أثناء صلاته, سواء في السفر أم في الحضر, وهو خلاف الإجماع، فلمّا عُرِفَ سبب نزولها, عُلِمَ أنّها نازلة بخصوص نافلة السفر23.

7- عموميّة اللفظ أم خصوصيّة السبب؟
اختلف علماء أصول الفقه في عموم روايات أسباب النزول أم اختصاصها بمَن نزلت فيهم؟ والمشهور بينهم - وهو الصحيح - أنّ النصّ القرآني يحمل معنى عامّاً وشاملاً، فإن كان للآية معنى عام، فهي لا تنحصر في إطار الأفراد المعنيين، بل تشمل الجميع، حتى وإن كان لها سبب خاصّ24.

فلو انحصر مُفاد الآيات بأسباب نزولها، لأدّى ذلك إلى فقدان مجموعة كبيرة من آيات القرآن تطبيقاتها، ولغدا القرآن كتاباً خاصّاً بمجموعة قليلة من الماضين فقط.

ومن هنا، فإنّ حكم الآية التي نزلت في سبب أو حادثة معيّنة بحقّ فرد أو أفراد معيّنين، لا ينحصر في مناسبة نزولها فقط، بل ينطبق على جميع الموارد التي


94


تشترك في خصوصيّاتها مع مورد نزول الآية. وهذه الخصوصية هي التي تسمّى في الروايات بـ "الجَرْي" و"الانطباق"25.

سأل الفُضَيل بن يسار الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام عن الحديث المعروف: ما من آية إلاّ ولها ظهر وبطن، وما فيه حرف إلاّ وله حدّ يطلع (ومطلع)، ما يعني بقوله: لها ظهر وبطن؟ قال عليه السلام: "ظهر وبطن هو تأويلها, منه ما قد مضى، ومنه ما لم يجئ، يجري كما تجري الشمس والقمر، كلّما جاء فيه تأويل شيء منه, يكون على الأموات, كما يكون على الأحياء، كما قال الله تعالى: ﴿...يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ...﴾، ونحن نعلمه"26. وعنه عليه السلام - أيضا ً-: "ولو أنّ الآية نزلت في قوم، ثمّ مات أولئك القوم ماتت الآية ولَمَا بقي من القرآن شيء، ولكنّ القرآن يجري أوّله على آخِره ما دامت السماوات والأرض، ولكلّ قومٍ آية يتلونها، هُم منها من خير أو شرّ"27.

وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض المفسّرين ومَن كتبوا في أسباب النزول، قالوا بتعدّد أسباب النزول مع وحدة النزول أحياناً، وبوحدة السبب مع تتعدّد الآيات النازلة فيه أحياناً أخرى28.

8- مدى اعتبار أحاديث أسباب النزول؟
أ- المشكلة: إنّ روايات أسباب النزول بلغت حدّاً ناهزت فيه عدّة آلاف رواية، معظمها ضعيف السند أو مُرسَل، وفيه مشاكل لناحية أنّ بعض الرواة لم يعرِفوا ارتباط نزول الآيات بموارد الحوادث والوقائع, مشافهة وتحمّلاً وحِفظاً، بل يحكون القصّة، ثمّ يربطون بها الآيات المناسبة لها من ناحية المعنى. وفي


95


النتيجة، يكون سبب النزول في الحديث المذكور سبباً نظرياً واجتهادياً، لا سبباً مستفاداً عن طريق المشاهدة والضبط. هذا فضلاً عن وجود تناقض واضح في بعض الروايات التي تنقل حوادث وأسباباً يناقض بعضها البعض الآخر، ولا طريق للجمع بينها، أو أنّ بعض الروايات تروي عن شخص واحد عدّة أسباب للنزول نازلة في آية واحدة.

ومن هنا، فإنّ ورود هذه الأسباب المتناقضة والمتهافتة للنزول يرجع: إمّا إلى كون هذه الأسباب المنقول أسباباً نظرية اجتهادية وليست نقلية محضة، وإمّا إلى أنّ جميع الروايات أو بعضها مدسوس ومجعول، ولا سيّما إذا أخذنا بعين الاعتبار إجراءات التشديد على عدم تدوين الحديث المأثور التي بدأت بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمرّت حتى أواخر القرن الأوّل الهجري (حوالي تسعين سنة تقريباً), فأمام هذا الواقع كَثُرَ وضع الحديث والدسّ فيه ودخول الإسرائيليات على المرويّات. وأمام هذا الواقع، فإنّ كثيراً من الأحاديث تفقد حجيّتها، إلا ما سلم لجهة السند والدلالة.

ب- طريق الحلّ: انطلاقاً من أهمّيّة معرفة أسباب النزول في فهم الآية ومدلولها، كان لا بدّ من إيجاد حلّ عملي للمشاكل المتقدّم ذكرها، حيث إنّ بعض روايات أسباب النزول من دون أدنى شكّ فيه فائدة مهمّة. ومن هنا، ينبغي وضع ضابطة معياريّة في انتقاء روايات أسباب النزول، مفادها التالي: النظر في الحديث، فإذا كان متواتراً أو قطعياً، فيمكن الأخذ بمفادّه. وإلا فنعرضه على الآية موضع البحث، فإذا كان هناك انسجام بين الآية وما حولها من القرائن، وبين مفاد الحديث، عند ذلك يمكن الوثوق بمفاد الحديث الذي اعتُبِرَ سبباً لنزول الآية29.


96

الأفكار الرئيسة

1- التنزيل: تدريجي، والإنزالُ: دفعي.
2- يوجد عدّة أقوال في مسألة نزول القرآن، أشهرها: أنّ القرآن نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً مدّة إقامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة. وأصحّها: أنّه نزل دفعة واحدة على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر، ثمّ نزل منجّماً على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم طيلة سنوات بعثته.
3- من فوائد النزول التدريجي: الردّ على اعتراض الكفار، تثبيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين...
4- سبب النزول: مشكلة حاضرة لحادثة عارضة، وشأن النزول: مشكلة أمرٍ واقع.
5- من فوائد معرفة أسباب النزول: معرفة وجه الحكمة في التشريع، معرفة المكي والمدني...
6- العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصيّة السبب.
7- ضابطة الأخذ بروايات أسباب النزول: الأخذ بالروايات المتواترة أو القطعية، وبأخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية والمتناسبة مع لسان الآية مورد النزول.
فكّر وأجب

1- أَجِبْ بـ "صحّ" أو "خطأ":
- خصوص السبب لا يخصّص عموم لفظ الآية.
- سبب النزول يعالج مشكلة أمر واقع, سواء أكانت الحادثة حاضرة أم ماضية.
- لا يمكن الأخذ من روايات أسباب النزول إلا بما كان منها قطعياً أو متواتراً فقط.

2- أَجِبْ باختصار:
- عدّد أبرز الأقوال في نزول القرآن الكريم، مبيّناً أشهرها وأصحّها؟
- اذكر فوائد النزول التدريجي للقرآن؟
- اذكر فوائد معرفة أسباب النزول؟
مطالعة

من روايات أسباب النزول30
ما رواه محمد بن إسحاق بإسناده عن سعيد بن جبير، وعكرمة، عن ابن عباس: أنّ النضر بن الحرث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، أنفذهما قريش إلى أحبار اليهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وصفا لهم صفته، وخبراهم بقوله، فإنّهم أهل الكتاب الأوّل، وعندهم من علم الأنبياء عليهم السلام ما ليس عندنا. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار اليهود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وقالا لهم ما قالت قريش، فقال لهما أحبار اليهود: إسألوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهنّ, فهو نبيّ مرسَل، وإن لم يفعل, فهو رجل متقوِّل، فرأوا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل, ما كان أمرهم؟ فإنّه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف, قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها, ما كان نبؤه.

وسلوه عن الروح ما هو. - وفي رواية أخرى، فإن أخبركم عن الثنتين، ولم يخبركم بالروح, فهو نبي. فانصرفا إلى مكة، فقالا: يا معاشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم، وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقصّا عليهم القصّة. فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فسألوه، فقال: أخبركم بما سألتم عنه غداً، ولم يستثنِ، فانصرفوا عنه، فمكث صلى الله عليه وآله وسلم, خمس عشرة ليلة، لا يحدث الله إليه في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام, حتى أرجف أهل مكّة، وتكلّموا في ذلك، فشقّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ما يتكلّم به أهل مكّة عليه، ثمّ جاءه جبرائيل عليه السلام, عن الله سبحانه، بسورة الكهف، وفيها ما سألوه عنه, عن أمر الفتية، والرجل الطوّاف، وأنزل عليه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾31.
مصادر الدرس ومراجعه

1- القرآن الكريم.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص417.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص799-800.
4- السيوطي، الإتقان، ج1، ص87-91، 119، 146-14
5- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص41-42, ج2، ص15-18.
6- النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج2، تفسير سورة إنّا أنزلناه، ح1، ص530, كتاب التفسير، ح7، ص222, ح9، ص223.
7- الكليني، الكافي، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح6، ص628-629.
8- الطباطبائي، القرآن في الإسلام، ص59-60، 133-136.
9- معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص267-268.
10- الصفّار، بصائر الدرجات، ج4، باب10، ح2، ص223.
11- العياشي، تفسير العياشي، ج1، باب في ما أُنزِلَ القرآن، ح7، ص10.
12- الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص97-103.
هوامش

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"نزل"، ص417.
2- سورة الشعراء، الآيتان: 193-194.
3- سورة القدر، الآية: 1.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"نزل"، ص799-800.
5- الأقوال الأربعة الأولى ذكرها السيوطي في كتابه الإتقان. انظر: السيوطي، الإتقان، م.س، ج1، ص146-149. والقول الرابع ذكره العلامة السيد الطباطبائي قدس سره في تفسيره الميزان. انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج2، ص15-18.
6- النيسابوري، أبو عبدالله: المستدرك على الصحيحين، إشراف سورة يوسف، الآية عبد الرحمن المرعشلي، لاط، لام، لان، لات، ج2، تفسير سورة إنّا أنزلناه، ح1، ص530.
7- انظر: الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح6، ص628-629, النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، م.س، ج2، كتاب التفسير، ح7، ص222, ح9، ص223.
8- السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص119.
9- سورة الإسراء، الآية: 106.
10- سورة البقرة، الآية: 185.
11- سورة الدخان، الآية: 3.
12- سورة القدر، الآية: 1.
13- انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج2، ص15-18.
14- سورة الفرقان، الآية: 32.
15- سورة يس، الآية: 76.
16- سورة الإسراء، الآية: 106.
17- سورة الكهف، الآية: 83.
18- سورة الإسراء، الآية: 85.
19- سورة النازعات، الآية: 42.
20- انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص87, السيد الطباطبائي، القرآن في الإسلام، م.س، ص133.
21- انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص267-268.
22- سورة البقرة، الآية: 115.
23- انظر: السيوطي، الإتقان، م.س، ج1، ص87-89.
24- انظر: م. ن
25-انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص41-42, السيد السيد الطباطبائي، القرآن في الإسلام، م.س، ص59-60.
26- الصفّار، بصائر الدرجات، م. س، ج4، باب10، ح2، ص223.
27- العياشي، تفسير العياشي، م.س، ج1، باب في ما أُنزِلَ القرآن، ح7، ص10.
28- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص97-103.
29- انظر: السيد الطباطبائي، القرآن في الإسلام، م.س، ص133-136.
30- انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص313-314.
31- سورة الإسراء، الآية: 85.

الكاتب
الشيخ عباس محمد

نفحات من القرآن الكريم القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة4


نفحات من القرآن الكريم
القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة4

- ضرورة الوحي:
إنّ الإنسان مفطور على حبّ الانتفاع ودفع المضارّ واستخدام غيره من بني نوعه. وبفعل وجود الاختلاف الضروري بين أفراد الإنسان من حيث الخِلْقَة وطريقة العيش والعادات والتقاليد... شدّة وضعفاً, كان من الطبيعي أن يَظهر الاختلاف في اقتناء المزايا الحيوية، بحيث يستفيد القوي أكثر من الضعيف, بما يؤدّي إلى الإخلال بميزان العدل الاجتماعي بين الناس, ما استدعى وضع قوانين ترفع الاختلافات الطارئة والمشاجرات في لوازم الحياة.

ومن الطبيعي أن يكون مصدر هذه القوانين من غير الفطرة, لأنّ ما به الاختلاف لا يصلح وحده لأن يكون مصدراً للحلّ, فكان بذلك النوع البشري محتاجاً إلى مصدر آخر يُصلِح الفطرة بالفطرة، وينسجم معها، ويعدل قواها المختلفة عند طغيانها، وينظّم للإنسان حياته الدنيوية والأخروية1.

ومن هنا، كان الوحي صلة وصل بين الله تعالى وخلقه, يكشف لهم عن المعارف الإلهية والحقائق الربّانية اللازمة لرفع الاختلاف والوصول إلى سعادة النوع


71


الإنساني. ولأنّ العقل البشري وحده قاصر عن إدراك هذه الحقائق والمعارف والكشف عنها, كان من الضروري أن يجعل الله تعالى طريقاً آخراً ينسجم مع العقل والفطرة ويكمّلهما: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ...﴾2.

2- إمكانية الوحي ووقوعه:
يمتلك الإنسان وراء شخصيَّته المادّيّة الظاهرة شخصيَّة أخرى معنوية باطنة، من شأنها أن تتيح له الارتباط بعالم معنوي أعلى مجرّد عن المادّة ولوازمها، فالإنسان في عالم الدنيا موجود مركّب من روح وجسد، يرتبط بالعالم المادّي بجسده ويحمل خصائصه وقابليّاته: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾، ويرتبط بالعالم المجرّد بروحه ويحمل خصائصه وقابليّاته -أيضاً -: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾3. وهذا الخلْق الآخر هو وجود الإنسان الروحي الذي أفاضه الله تعالى، فمنه مبدؤه: ﴿...وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾4، وإليه منتهاه: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾5.

وعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله عزّ وجلّ: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾6، قال: "إنّ الله عزّ وجلّ خلق خلقاً وخلق روحاً، ثم أمر ملكاً فنفخ فيه"7.

ومن هذا المنطلق، لا مانع للإنسان مِن أن يتَّصل في جانبه المعنوي والروحي


72


بالعالم المجرّد، طالما أنّ روحه تحمل خصائص هذا العالم وقابليّاته, فيكون هذا الاتّصال خفيّاً لا يحمل خصائص المادّة، ولا يخضع لقوانينها الطبيعية, وهو ما يشكّل ظاهرة الوحي.

وقد نزل الوحي على امتداد تاريخ البشرية حتّى انقطاعه برحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جميع الأنبياء عليهم السلام الذين وجد الله تعالى فيهم الأهلية اللازمة لتلقّي الوحي الإلهي, بحيث خصّهم بذلك من دون غيرهم من الناس: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ...﴾8.

3- حقيقة الوحي وكيفية حصوله:
هو إدراك خاصّ مختلف عن سائر الإدراكات البشرية المشتركة بين أفراد البشر كافّة، والمتحصّلة عن طريق الحسّ أو العقل أو الغريزة أو الوجدان، يُوجِده الله تعالى في أنبيائه عليهم السلام إيجاداً لا يعتريه لبس أو شكّ أو خطأ، ولا يحتاجون فيه إلى إعمال نظر، أو توسّل دليل، أو إقامة برهان، أو حجّة, كما هو شأن الإدراكات البشرية. قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ...﴾9, فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يتلقّى الوحي الإلهي بنفسه الشريفة من غير توسّط الحواس الظاهرة, فيسمع ويرى من غير وساطة السمع والبصر الماديّين, وإلا لكان من الممكن أن يسمع ويرى غيره من الناس, ما سمعه ورأه بالوحي، وَلَما كان الوحي حينها من مختصّات مقام النبوّة.

ويوجد أمر لا نستطيع إدراكه في ظاهرة الوحي، وإن كنّا نعتبره واقعاً حقّاً، ونؤمن به إيماناً صادقاً، وهو: كيف يقع هذا الاتّصال الروحي؟ والسبب في ذلك: أنّ الوحي ليس من سنخ عالم المادّة والمادّيات, لكي نستطيع إدراك كنهه أو تحديد كيفية حصوله، وكلّ ما باستطاعتنا إنَّما هو التعبير عنه على نحو التشبيه والاستعارة، أو


73


المجاز والكناية لا أكثر، فهو ممّا يُدرَك ولا يُوصَف. فالوحي ظاهرة روحية يدركها مَن يصلُح لها، ولا يستطيع غيره أن يصِفها وصفاً بالكُنه، ما عدا التعبير عنها بالآثار والعوارض هذا فحسب. وكذلك التعبير بنزول الوحي أو المَلَك هو تعبير مجازي، وليس سوى إشراقة وإفاضة قدسية ملَكوتية يجدها النبيّ عليه السلام حاضرة نفسه، مُلقاة عليه من خارج روحه10.

4- عدم استمرارية الوحي النبوي:
الوحي النبوي مختصّ بالأنبياء عليهم السلام, وقد انقطع الوحي بعد رحيل خاتم النبيين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم, حيث اكتملت الرسالة الخاتمة: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ...﴾11، وأُمِرَ الناس أن يتّبعوا رسالة الإسلام وترك باقي الرسالات السابقة: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾12، وأن يسيروا على هديها مستضيئين بهدي الإمامة الحاملة لحقائق هذه الرسالة، والمبيّنة لها، والضامنة لتطبيقها الصحيح: ﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا...﴾13.

وعن الإمام علي عليه السلام: "بأبي أنت وأمّي، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك, من النبوّة، والأنباء، وأخبار السماء"14. وتجدر الإشارة إلى أنّ انقطاع الوحي النبوي برحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يستلزم انقطاع الاتّصال مع الله سبحانه وتعالى, حيث إنّ جبرائيل عليه السلام كان ينزل على فاطمة عليها السلام بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدّثها. روي عن الإمام الصاق عليه السلام: "إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله


74


صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها، فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريّتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام".15

وأمّا الاتّصال بالغيب فموجود بين الله تعالى وحجّته في أرضه الإمام المعصوم عليه السلام فهو محدّث وإن لم يكن موحى إليه وحياً نبويّاً لختم النبوة بخاتم المرسلين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. عن بريد العجلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرسول والنبيّ والمحدَّث، قال: الرسول الذي تأتيه الملائكة وتبلِّغه عن الله تبارك وتعالى، والنبي الذي يرى في منامه فما رأى فهو كما رأى، والمحدَّث الذي يسمع كلام الملائكة وينقر في أُذنه وينكت في قلبه16.

وعن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا﴾17 قلت: ما الفرق بين الرسول والنبيّ؟ قال: "النبي هو الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول يعاين الملك ويكلِّمه، قلت: فالإمام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين"18.

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إنّ منّا لمن يعاين معاينة، وإنّ منّا لمن يُنقَر في قلبه كيت وكيت، وإنّ منّا لمن يسمع كما يقع السلسلة كله يقع في الطست". قلت: فالذين يعانيون ما هم؟ قال: "خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل"19.


75


5- كتّاب الوحي:
كتَّاب الوحي كُثُر، أبرزهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام, حيث حُظِيَ بكتابة الوحي من أوّل نزوله في مكة إلى حين انقطاعه, برحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: عن الإمام علي عليه السلام: "فما نزلتْ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها فكتبتُها بخطي، وعلَّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصَّها وعامَّها"20. وعنه عليه السلام - أيضاً -: "يا طلحة إنَّ كلَّ آية أنزلها الله على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطي بيدي وتأويل كلّ آية"21.

وممّن كتب الوحي بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
أبي بن كعب الأنصاري: وهو أوّل من كتب له صلى الله عليه وآله وسلم الوحي في المدينة، وقد عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه القرآن كملاً، وكان ممّن حضر العرضة الأخيرة في من حضر، وتولّى الإشراف على الكَتَبَة في لجنة توحيد المصاحف على عهد عثمان، حيث كانوا يرجعون إليه عند الاختلاف22.

- زيد بن ثابت: كان يسكن في المدينة بجوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ويكتب له صلى الله عليه وآله وسلم إذا غاب أُبَي بن كعب، حتى أصبح لاحقاً من الكتّاب الرسميين23.

- والذي عليه المحقّقون من أهل السيرة: أنّ الوحي كان يكتبه الإمام علي عليه السلام, وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأنّ حنظلة بن الربيع ومعاوية بن أبي سفيان لم يكتبا الوحي وإنّما كانا يكتبان له إلى الملوك وإلى رؤساء القبائل، ويكتبان حوائجه بين يديه، ويكتبان ما يجيء من أموال الصدقات وما يقسّم في أربابها24.


76


6- شبهات حول الوحي:
أ- الشبهة الأولى: الوحي عبارة عن إلهامات روحية تنبعث من داخل نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وليس وارداً عليه من الله تعالى, لاستحالة الاتّصال بين الله تعالى والإنسان, كونه يستلزم تحديد الله عزّ وجلّ!25

الجواب: إنّ عدم فهْم حقيقة الاتّصال الروحيّ الخفيّ بين المَلأ الأعلى وجانب الإنسان الروحي لا يعنى إنكار هذا الاتّصال، فالإنسان يتلقّى بروحه إفاضات تأتيه من ملَكوت السماء، وإشراقات نورية تشعّ على نفسه من عالَم وراء هذا العالم المادّي، وليس في ذلك اتّصالاً أو تقارباً مكانيّاً, لكي يستلزم تحيّزاً في جانبه تعالى. ولعلّ منشأ هذه الشبهة أنّهم قاسُوا من أمور ذاك العالم غير المادّي بمقاييس تخصّ العالم المادّي.

ب- الشبهة الثانية: من أين عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه مبعوث؟26
الجواب: يجب على الله ـ وجوباً منبعثاً من مقام لُطفه ورأفته بعباده ـ أن يقرِن تنبيئه إنساناً بدلائل نيّرة، لا تدَع لمسارب الشكّ مجالاً في نفسه. وهذا هو مقتضى قاعدة اللطف، وتتلخّص في: تمهيد سبيل الطاعة, فواجب عليه تعالى أن يُمهِّد لعباده جميع ما يقرّبهم إلى الطاعة ويبعّدهم عن المعصية، وهذا الوجوب منبعث من مقام حكمته تعالى, إذا كان يريد من عِباده الانقياد، وإلاّ كان نقضاً لغرضه من التكليف، ومن ثَمّ وجب عليه تعالى أن يبعث الأنبياء عليهم السلام, وينزّل الشرائع، ويجعل في الأمم ما ينير لهم درب الحياة، إمّا إلى سعادة, فباختيارهم، أو إلى شقاء, فباختيارهم أيضاً27. وطبقاً لهذه القاعدة، لا يدع تعالى مجالاً لتدليس أهل


77


الزَيغ والباطل، إلاّ ويفضحهم من فورهم. روي عن الإمام الصادق عليه السلام, أنّه سُئل عليه السلام: كيف عَلمت الرسُل أنَّها رسُل؟ قال: "كُشِفَ عنهم الغطاء"28.

إذن، فلا بدَّ أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين انبعاثه نبيّاً على عِلم يقين، بل حقّ يقين من أمْره، لا يشكّ ولا يضطرب، مستيقناً، مطمئنّاً بالله، مَرعيّاً بعناية الله تعالى ولُطفه الخاصّ، منصوراً، مؤيَّداً، ولاسيَّما في بدْء البعثة، فيأتيه الناموس الأكبر وهو الحقّ الصِراح معايَناً مشهوداً، وهي موقعية حاسمة لا ينبغي لنبيّ أن يتزلزل فيها، أو يتروّع منها: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾.

وأيضاً فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يخترْه الله لنبوَّته إلاّ بعد أن أكمل عقله وأدَّبه، فأحسن تأديبه، وعرَّفه من أسرار ملكوت السماوات والأرض, ما يؤهّله للقيام بمهمَّة السفارة وتبليغ رسالة الله إلى العالمين, كما فَعل بإبراهيم الخليل عليه السلام.

عن الإمام علي عليه السلام: "ولقد قرَنَ الله به من لدُن أن كان فطيماً أعظم مَلك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم, ليله ونهاره.."29.

وعن الإمام العسكري عليه السلام: "فلمّا استكمل أربعين سنة، نظر الله عزّ وجلّ إلى قلبه، فوجده أفضل القلوب، وأجلها، وأطوعها، وأخشعها، وأخضعها، فأذن لأبواب السماء ففتحت، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليهم، وأمر بالرحمة، فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغمرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور، طاووس الملائكة هبط إليه، وأخذ بضبعه وهزّه، وقال: يا محمد اقرأ. قال: وما أقرأ؟ قال: يا محمد ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، ثمّ أوحى (إليه) ما أوحى إليه ربّه عزّ وجلّ"30.


78


ج- الشبهة الثالثة: هل يجوز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخطأ في ما يُوحى إليه؟31

الجواب: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يُخطِئ في ما يُوحى إليه، ولا يلتبس عليه الأمر قطّ، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عندما يوحى إليه يُكشف عنه الغطاء، فيرى الواقعية في ما يتَّصل بجانب روحه الملكوتي، منقطعاً عن صوارف المادَّة، فيلمس حينذاك تجلّيات وإشراقات نورية تغشاه من عالم الملكوت, لينصرف بكلّيته إلى لقاء روح الله وتلقّي كلماته، فيرى حقيقة الحقّ النازل عليه بشعورٍ واعٍ وبصيرةٍ نافذة, كمَن يرى الشمس في وضَح النهار، لا يحتمل خطأً في إبصاره، ولا التباساً في ما يعِيه. وهكذا الوحي، إذ لم يكن فكرة نابعة من داخل الضمير, ليحتمل الخطأ في ترتيب مقدّمات استنتاجها، أو إبصاراً من بعيد, ليتحمَّل التباساً في الانطباق، بل هي مشاهدةُ حقيقةٍ حاضرة بعَين نافذة، فاحتمال الخطأ فيه مستحيل.

عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف لم يخفْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ما يأتيه من قِبل الله أن يكون ممّا ينزغ به الشيطان؟ فقال عليه السلام: "إنّ الله إذا اتّخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قِبل الله مثل الذي يراه بعينه"32, أي: يجعله في وضَح الحقّ، لا غبار عليه أبداً، فيرى الواقع ناصعاً جلياً لا يشكّ ولا يضطرب في رأيه ولا في عقله.

ومن الأدلّة القرآنية على ذلك:
- عهد الله تعالى لنبيّه بالرعاية والحِفظ: ﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى﴾33، حيث كان صلى الله عليه وآله وسلم في بدء نزول القرآن يخشى أن يفوته شيء، فكان يساوق جبرائيل عليه السلام في ما يلقي عليه كلمة بكلمة، فنُهِيَ عن ذلك: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ


79


وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾34، و﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾35.

- قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾36، فإنّه يقطع أيّ احتمال للدسّ والتزوير في نصوص القرآن الكريم.

- استحالة تلبيس إبليس وتدخّله في ما يُوحى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وجعل تسويلاته الشيطانية في صورة وحي يلتبس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها، فيظنّها وحياً, لأنَّ الشيطان لا يستطيع الاستحواذ على عقلية رسُل الله وعباده المكرَمين: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾37، ومتنافٍ مع قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾38، وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾39، وقوله تعالى - حكاية عن قول إبليس -: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾40.

أضف إلى ذلك أنّ هذا الخطأ المحتمل في تلقّي الوحي وتبليغه إلى الناس متنافٍ مع قاعدة اللطف الآنفة الذكر، ومتناقض مع حكمته تعالى في بعْث الأنبياء عليهم السلام.


80

الأفكار الرئيسة

1- الوحي صلة وصل بين الله تعالى وخلقه, يُكشَف لهم من خلاله عن المعارف الإلهية والحقائق الربّانية اللازمة لرفع الاختلاف الحاصل بالفطرة، والوصول إلى سعادة النوع الإنساني.
2- يمتلك الإنسان وراء شخصيَّته المادّيّة الظاهرة شخصيَّة أخرى معنوية باطنة، من شأنها أن تتيح له الارتباط بعالم معنوي أعلى مجرّد عن المادّة ولوازمها.
3- الوحي إدراك خاصّ مختلف عن سائر الإدراكات البشرية المشتركة بين كافّة أفراد البشر والمتحصّلة عن طريق الحسّ أو العقل أو الغريزة أو الوجدان، يوجده الله تعالى في أنبيائه عليهم السلام إيجاداً لا يعتريه لبس أو شكّ أو خطأ، ولا يحتاجون فيه إلى إعمال نظر أو توسّل دليل...
4- الوحي مختصّ بالأنبياء عليهم السلام, وقد انقطع بعد رحيل خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
5- من كتّاب الوحي: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام, وأبي بن كعب الأنصاري، وزيد بن ثابت...
6- من الشبهات المثارة حول الوحي: هو عبارة عن إلهامات روحية تنبعث من داخل نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم! من أين عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه مبعوث! هل يجوز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخطأ في ما يُوحى إليه؟
فكّر وأجب

1- أَجِبْ بـ (صحّ) أو (خطأ):
- ينسجم الوحي مع العقل ولا ينسجم مع الفطرة.
- يمكن تبرير إمكانية وقوع الوحي من طريق الشرع لا العقل.
- لا يحتاج النبي عليه السلام في تلقي الوحي إلى إعمال نظر أو إقامة دليل.

2- أَجِبْ باختصار:
- هل يوجد ضرورة للوحي في حياة الإنسان؟
- كيف يعرف النبي عليه السلام أنّه مبعوث؟
- هل يمكن أن يخطأ النبي عليه السلام في ما يُوحى إليه؟
مطالعة

بطلان دعوى كتابة معاوية للوحي41
إنّ الناس يشبّه عليهم أمر معاوية بأن يقولوا كان كاتب الوحي، وليس ذاك بموجب له فضيلة, وذلك أنّه قُرِنَ في ذلك إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فكانا يكتبان له الوحي، وهو الذي قال: سأنزل مثل ما أنزل الله... فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُملي عليه: والله غفورٌ رحيم، فيكتب: والله عزيزٌ حكيم، ويملي عليه: والله عزيزٌ حكيم، فيكتب: والله عليم حكيم، فيقول له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو واحد. فقال عبد الله بن سعد: إنّ محمداً لا يدري ما يقولُ. إنّه يقول، وأنا أقول غير ما يقول، فيقول لي: هو واحد، هو واحد. إن جاز هذا, فإنّي سأنزل مثل ما أنزل الله. فأنزل الله فيه: ﴿وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ...﴾42، فهرب وهجا النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من وجد عبد الله بن سعد بن أبي سرح ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة, فليقتله، وإنّما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول له في ما يغيّره هو واحد، هو واحد, لأنّه لا ينكتب ما يريده عبد الله، إنّما ينكتب ما كان يُمليه، فقال: هو واحد غيّرتَ أمْ لَمْ تغيّر، لَمْ ينكتبْ ما تكتبه، بل ينكتب ما أمليه عن الوحي وجبرائيل يصلحه.

وفي ذلك دلالة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم, ووجه الحكمة في استكتابه صلى الله عليه وآله وسلم الوحي معاوية وعبد الله بن سعد، وهما عدوّان له صلى الله عليه وآله وسلم: هو أنّ المشركين قالوا: إنّ محمداً يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، ويأتي في كلّ حادثة بآية يزعم أنّها أنزلت عليه، وسبيل من يضع الكلام في حوادث، يحدث في بعض الأوقات أن يغيّر عليه الألفاظ عن حاله الأولى لفظاً ومعنى أو لفظاً دون معنى، فاستعان في كتابة ما ينزل عليه في الحوادث الواقعة بعدوَّين له في دينه، عدلَين عند أعدائه, ليعلم الكفّار والمشركون أنّ كلامه في ثاني الأمر كلّه في الأوّل غير مغيّر، ولا مزال عن جهته, فيكون أبلغ للحجّة عليهم، ولو استعان في ذلك بوليِّيَن، مثل: سلمان، وأبي ذر، وأشباههما, لكان الأمر عند أعدائه غير واقع هذا الموقع، وكانت تتخيّل فيه التواطؤ والتطابق. فهذا وجه الحكمة في استكتابهما واضح بيّن.
مصادر الدرس ومراجعه

1- القرآن الكريم.
2- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص112-12
3- الطباطبائي، القرآن في الإسلام، ص96-106.
4- ابن بابويه، التوحيد، باب معنى قوله عزّ وجلّ: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي...﴾، ح6، ص172.
5- معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص90-93، 108-131.
6- الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج1، الخطبة192(القاصعة)، ص157, ج2، الخطبة235، ص228.
7- الكليني، الكافي، ج1، كتاب العقل والجهل، باب اختلاف الحديث، ح1، ص64, كتاب الحجّة، باب فيه ذِكر الصحيفة...، ح 5، ص 241.
8- الهلالي، كتاب سليم بن قيس، ص211.
9- ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج2، ص340-341، 358-362.
10- العسقلاني، الإصابة، ص180-182، 490-493.
11- الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد، ج1، الخطبة25، ص338.
12- الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص444-445.
13- البرقي، المحاسن، كتاب العلل، ح85، ص328.
14- تفسير الإمام العسكري عليه السلام, ح78، ص156-157.
15- العياشي، تفسير العياشي، ج2، تفسير سورة يوسف، ح106، ص201.
16- الصفّار، بصائر الدرجات، م. س، ج 5، باب 7، ح 1، ص 251, ج 8، باب 1، ح 1 – 2، ص 388.
هوامش

1- انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج2، ص113-123, القرآن في الإسلام، تعريب أحمد وهبي، ط1، بيروت، دار الولاء، 1422هـ.ق/ 2001م، ص96-106.
2- سورة البقرة، الآية: 213.
3- سورة المؤمنون، الآيات: 12-14.
4- سورة مريم، الآية: 9.
5- سورة الفجر، الآيتان: 27-28.
6- سورة الحجر، الآية: 29.
7- الشيخ الصدوق، التوحيد، م.س، باب معنى قوله عزّ وجلّ: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي...﴾، ح6، ص172.
8- سورة النساء، الآية: 163.
9- سورة الشعراء، الآيتان: 193-194.
10-انظر: السيد الطباطبائي، القرآن في الإسلام، م.س، ص112-113, معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص90-91.
11- سورة الأحزاب، الآية: 40.
12- سورة آل عمران، الآية: 85.
13- سورة المائدة، الآية: 3.
14- العلوي، (الشريف الرضي): نهج البلاغة (الجامع لخطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ورسائله وحكمه)، شرح محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر, مطبعة النهضة، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش، ج2، الخطبة235، ص228.
15- الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج1، كتاب الحجّة، باب فيه ذِكْر الصحيفة...، ح5، ص241.
16- الصفّار، محمد بن الحسن: بصائر الدرجات، تصحيح وتعليق وتقديم حسن كوچه باغي، لاط، طهران، منشورات الأعلمي, مطبعة الأحمدي، 1404هـ.ق/ 1362هـ.ش، ج8، باب1، ح1، ص388.
17- سورة مريم، الآية: 54.
18- المصدر السابق، ح2.
19- المصدر السابق، ج5، باب7، ح1، ص251.
20- الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج1، كتاب العقل والجهل، باب اختلاف الحديث، ح1، ص64.
21- الهلالي، سليم بن قيس: كتاب سليم بن قيس، تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني، ط1، إيران، نشر دليل ما, مطبعة نكارش، 1422هـ.ق/ 1380هـ.ش، ص211.
22- م. ن، ص340-341, العسقلاني، أحمد بن علي(ابن حجر): الإصابة، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود, علي محمد معوّض، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415هـ.ق، ص180-182.
23- انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، م.س، ج2، ص358-362, ابن حجر، الإصابة، م.س، ج2، ص490-493.
24- انظر: العلوي، (الشريف الرضي): نهج البلاغة(الجامع لخطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ورسائله وحكمه)، شرح ابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، لام، دار إحياء الكتب العربية, عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، 1378هـ.ق/ 1959م، ج1، الخطبة25، ص338.
25- انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص91-93.
26- انظر: م. ن، ص108-117.
27- انظر: الحلي، الحسن بن سورة يوسف، الآية بن المطهّر: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق حسن زاده آملي، ط7، قم المقدّسة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، 1417هـ.ق، ص444-445.
28- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد: المحاسن، تحقيق جلال الدين الحسيني(المحدِّث)، ط1، طهران، دار الكتب الإسلامية, مطبعة رنكين، 1370هـ.ق/ 1330هـ.ش، كتاب العلل، ح85، ص328.
29- نهج البلاغة، شرح محمد عبده، م.س، ج1، الخطبة192(القاصعة)، ص157.
30- تفسير الإمام العسكري عليه السلام, تحقيق مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ط1، قم المقدّسة، نشر مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف, مطبعة مهر، 1409هـ.ق، ح78، ص156-157.
31- انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص108-109, 117-131.
32- العياشي، محمد بن مسعود: تفسير العياشي، تحقيق وتصحيح وتعليق هاشم الرسولي المحلاتي، لاط، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، لات، ج2، تفسير سورة سورة يوسف، الآية، ح106، ص201.
33- سورة الأعلى، الآية: 6.
34- سورة القيامة، الآيات: 16-19.
35- سورة طه، الآية: 114.
36- سورة الحجر، الآية: 9.
37- سورة الإسراء، الآية: 65.
38- سورة الحاقّة، الآيتان: 44-45.
39- سورة النجم، الآيات: 3-5.
40- سورة إبراهيم، الآية: 22.
41- انظر: الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، م.س، باب معنى استعانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعاوية في كتابة الوحي، ح1، ص346-348.
42- سورة الأنعام، الآية: 93.

نفحات من القرآن الكريم القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة 3


نفحات من القرآن الكريم
القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة 3

- معنى الوحي:
أ- المعنى اللغوي: هو إعلام سريع خفيّ، سواء أكان بإيماءة أم بهمسة أم بكتابة في سرّ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك في سرعة خاطفة حتى فَهِمه فهو وحيٌ. وأصل الوحي: الإشارة السريعة، ولتضمّن السرعة قيل: أمرٌ وحِيٌّ(أي سريع)، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة1.

والوحي: يدلّ على إلقاء علم في إخفاء أو غيره، والوحي: الإشارة، والوحي: الكتاب والرسالة، وكلّ ما ألقيتَه إلى غيرك حتّى عَلِمَه فهو وحي2.

ب- المعنى الاصطلاحي: عرّف الشيخ الطوسي قدس سره الوحي بأنّه: "البيان الذي ليس بإيضاح, نحو الإشارة والدلالة, لأنّ كلام المَلَك كان له (أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) على هذا الوجه"3. وفي موضع آخر أفاد بأنّ: "الإيحاء إلقاء المعنى في النفس على وجه يخفى, وهو ما يجيء به من دون أن يرى ذلك غيره من الخلق"4. ويتّضح من خلال


55


التحديدين السابقين أنّهما ناظران إلى أكثر أنحاء الوحي وروداً في القرآن الكريم, وهو طريق وحي القرآن الكريم نفسه, عبر إرسال مَلَك, وهو جبرائيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾5.

ولعلّ التحديد الأدقّ للوحي هو ما ذكره العلامة الطباطبائي قدس سره بأنّه: "إلقاء المعنى بنحو يخفى على غير من قُصِدَ إفهامه"6، حيث يشمل هذا التحديد كلّ أنحاء الوحي، فيدخل فيه الوحي المباشر(بلا واسطة) والوحي غير المباشر(كالوحي بواسطة مَلَك). وقد قرّر الأدب الديني في الإسلام أن لا يطلق الوحي على غير ما عند الأنبياء والرسل عليهم السلام من التكليم الإلهي7.

2- الوحي في القرآن:
استخدم القرآن الكريم مفردة "الوحي" في موارد عدّة أُريد بها معانٍ مختلفة، وقد ورد حديث مروي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام, قسّم فيه الوحي إلى: وحي النبوة والرسالة، ووحي الإلهام، ووحي الإشارة، ووحي التقدير، ووحي الأمر، ووحي الكذب(وسوسة الشياطين) ووحي الخبر8. ومن هنا، يمكن إجمال موارد الاستخدام القرآني لمفردة "الوحي", تبعاً لمقسم المعنى الاصطلاحي للوحي، وانسجاماً مع ما ورد في الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام, وفق التالي:
أ- الوحي إلى غير الأنبياء عليهم السلام:
- الإيماءة الخفية (وحي الإشارة): وهو المعنى اللغوي نفسه. ومنه قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾9.


56


- تركيز غريزيّ فطريّ في الإنسان والحيوان(وحي الإلهام): وهو تكوين طبيعيّ مجعول في الإنسان والحيوان، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ...﴾10، ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا...﴾11.

- تركيز طبيعي في الجماد (وحي التقدير): وهو تكوين طبيعيّ مجعول في الجمادات، ومنه وقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا﴾12.

- أمر رحماني (وحي الأمر): وهو شعور نفساني داخلي مصدره الله تعالى، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي...﴾13، ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ...﴾14.

- وسوسة شيطانية (وحي الكذب): وهو شعور نفساني داخلي مصدره الشيطان، ومنه قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾15، ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾16.

ب- الوحي إلى الأنبياء عليهم السلام (وحي النبوّة والرسالة): وهو اتّصال غيبيّ بين الله وأنبيائه عليهم السلام, ويختلف عن سائر الإيحاءات المعروفة لجهة مصدره الغيبي اتّصالاً بما وراء المادَّة. وهذا هو المعنى الاصطلاحي للوحي، وقد استعمله القرآن الكريم في أكثر من سبعين موضعاً17، منها: قوله تعالى:﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾18، ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ


57


فِعْلَ الْخَيْرَاتِ...﴾19، والوحي الوارد في هذه الآية هو من وحي الخبر(بحسب تعبير الرواية المتقدّمة), وهو هداية ربّانيّة مجعولة في نفوس الأنبياء عليهم السلام بوحي باطني وتأييد سماوي20.

وظاهرة الوحي من مختصّات مقام النبوّة، ولم يكن النبيّ محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم بِدعاً من الأنبياء عليهم السلام في هذا الاختصاص النبويّ، ولا أوَّل مَن خاطب الناس باسم الوحي السماوي: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ...﴾21. ودفعاً لهذا الاستنكار الغريب، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾22.

3- أنحاء الوحي النبوي:
يتحقّق الوحي النبوي على أنحاء ثلاثة، كما جاءت في الآية الكريمة: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾23، وفي حديث مروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في صدد تفسير هذه الآية24:
أ- النحو الأول: الإلقاء في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ومن دون واسطة، ومنه: ما رواه زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام, حيث سأله عن الغشية التي تصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل عليه الوحي؟ حيث قال عليه السلام: "ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد. ذلك إذا تجلّى الله له"25.


58


ب- النحو الثاني: تكليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وراء حجاب، ومنه قوله تعالى: ﴿...وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى﴾26، وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾27.

ج- النحو الثالث: إرسال مَلَك ليكون واسطة في إيصال الوحي للنبي عليه السلام, ومنه قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا...﴾28، وقوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ29﴾.

4- أقسام الوحي النبوي:
يمكن تقسيم الوحي النبوي إلى قسمين رئيسين:
أ- الوحي المباشر: وهو أصعب أنواع الوحي، وفيه يتّصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكلّ وجوده بالله تعالى من دون توسّط أيّ واسطة. ويحصل ذلك عندما تتهيّأ نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ويصبح لديه القابلية لهذا الاتّصال المباشر. وقد ورد في الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام توصيف لثقل هذا الوحي، ومن هذه الأحاديث:

- ما روي أنّ الحرث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كيف كان ينزل عليك الوحي؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس, وهو أشدّ علي، فيفصم عنّي, وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثّل المَلَكُ رجلاً، فيكلّمني, فأعي ما يقول"30.

- ما رواه عبد الله بن عمر: سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل تحسّ بالوحي؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أسمع صلاصل، ثمّ أسكت عند ذلك. فما من مرّة يُوحى إليّ إلا ظننت أنّ نفسي تفيض"31.


59


- ما رواه زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام, من أنّه سأله عليه السلام عن الغشية التي تصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل عليه الوحي؟ فقال عليه السلام: "ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد. ذلك إذا تجلى الله له"32.

- ما روي أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا نزل عليه الوحي يُسمَع عند وجهه دويّ, كدويّ النحل، وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد, فيفصم عنه، وأنّ جبينه لينفصد عرقاً، وأنّه كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك، ويربد وجهه، ونكس رأسه، ونكس أصحابه رؤسهم منه. ومنه يقال: برحاء الوحي, أي شدّة ثقل الوحي33.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه العوارض الجسدية التي كانت تظهر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين نزول الوحي عليه من دون واسطة، إنّما هي بمثابة العلامات الحاكية عن ثقل هذا الوحي المباشر, بفعل اتّصال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكلّ كيانه ووجوده بمبدأ الوجود، وانفتاح نفسه صلى الله عليه وآله وسلم وهو في نشأة عالم المادّة المحدود على عالم الملكوت الأعلى. فمن الطبيعي أن تظهر عليه صلى الله عليه وآله وسلم هذه العوارض المادّية، حتى كأنّ روحه تفيض منه بفعل هذا الاتّصال المباشر. وفي تحقّق هذا الاتّصال مع وجود قيود عالم المادّة دلالة جليّة على عِظَم نفس الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وطهارتها وكمالها.

ب- الوحي غير المباشر: وفيه يتلقّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوحي عبر واسطة تكون صلة وصل بينه وبين الله تعالى, كما في الوحي النازل بواسطة المنام والرؤيا، ومنه: قوله تعالى - حكاية عن لسان نبيّه إبراهيم عليه السلام -: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ...﴾34، وكما في تكليم الله تعالى لنبيّه موسى عليه السلام: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾35، وكما في الوحي النازل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة


60


جبرائيل: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ...﴾36.

ويستفاد من بعض الروايات أنّ أمر هذا الوحي لم يكن ثقيلاً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم, بخلاف الوحي المباشر، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ جبرائيل كان إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل حتّى يستأذنه، وإذا دخل عليه قعدَ بين يديه قعدة العبد"37.

وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتلقّى الوحي بكلّ بوجوده، ولم يكن للحواس الظاهرية أي دور في هذا الأمر, وإلاّ لأمكن لغيره من الناس سماع ما يسمع، ورؤية ما يرى.

5- الوحي المحمّدي:
كان الوحي الإلهي ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنحاء ثلاثة:
أ- الوحي عبر الرؤيا الصادقة والمنام: إنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أتى له سبع وثلاثون سنة، كان يرى في منامه كأنّ آتياً يأتيه فيقول: يا رسول الله! ومضت عليه بُرهة من الزمن وهو على ذلك يكتمُه38. وعن الإمام علي عليه السلام: "رؤيا الأنبياء وحي"39. وعن الإمام الباقر عليه السلام: "وأمّا النبيّ فهو الذي يرى في منامه، نحو رؤيا إبراهيم عليه السلام, ونحو ما كان رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أسباب النبوّة قبل الوحي، حتّى أتاه جبرائيل عليه السلام من عند الله بالرسالة..."40.

وتجدر الإشارة إلى أنّه لم ينزل شيء من القرآن عبر هذا النحو من الوحي، إذ لم يعهد نزول قرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، وإن كانت بعض رؤاه أسباباً لنزول القرآن، كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن


61


شَاء اللَّهُ...﴾41، فقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك عام الحديبيَّة42، وصَدَقَت عام الفتح43.

ب- الوحي عبر جبرائيل عليه السلام: كان جبرائيل عليه السلام ينزل بالوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صور ثلاثة:
- نزوله بصورته الأصليَّة: وهذا حصل مرَّتين مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾44، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾45، فالمرَّتين كانت إحداهما: في بدْء الوحي بغار حراء، حيث ظهر له جبرائيل عليه السلام في صورته الحقيقية التي خلَقه الله عليها، مالئاً أُفق السماء من المشرق إلى المغرب، فتهيَّبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم تهيّباً بالغاً، فنزل عليه جبرائيل عليه السلام في صورة الآدميّين، فضمَّه إلى صدره، فكان لا ينزل عليه بعد ذلك إلاّ في صورة بشَر جميل. والثانية: كانت باستدعائه صلى الله عليه وآله وسلم لذلك، فكان لا يزال يأتيه جبرائيل عليه السلام في صورة الآدميين، فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُريَه نفسه مرّة أخرى على صورته التي خلَقه الله، فأراه صورته فسدّ الأفُـق، فقوله تعالى: ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ كان المرّة الأُولى، وقوله: ﴿نَزْلَةً أُخْرَى﴾ كان المرَّة الثانية46.


62


- نزوله متمثّلاً بصورة آدمي: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "وأحياناً يتمثّل لي المَلك رجلاً، فيكلّمني فأعي ما يقول"47. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ جبرائيل كان إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل حتّى يستأذنه، وإذا دخل عليه قعدَ بين يديه قعدة العبد"48.

- نزوله على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من دون أن يراه: قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ...﴾49. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الروح الأمين نفث في رَوعي"50.

ج- الوحي مباشرة من دون واسطة: وهو أكثر أنحاء الوحي نزولاً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, حيث كان شديداً على نفسه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم. وقد تقدّم ذِكْر بعض الروايات التي تتحدّث عن ثقل هذا الوحي51.


63


الأفكار الرئيسة

1- الوحي هو إلقاء المعنى بنحو يخفى على غير من قُصِدَ إفهامه.
2- استخدم القرآن الكريم "الوحي" في موارد عدّة أُريد بها معانٍ مختلفة، منها: الوحي إلى الأنبياء عليهم السلام، الإيماءة الخفية، تركيز غريزيّ فطريّ في الإنسان والحيوان، تركيز طبيعي في الجماد، أمر رحماني، وسوسة شيطانية.
3- الوحي النبوي على أنحاء ثلاثة: إلقاء في القلب، تكليم من وراء حجاب، إرسال مَلَك.
4- يقسم الوحي النبوي إلى قسمين: وحي مباشر، ووحي غير مباشر.
5- كان الوحي الإلهي ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنحاء ثلاثة: عبر الرؤيا الصادقة والمنام، عبر جبرائيل عليه السلام, مباشرة من دون واسطة.

فكّر وأجب

1- أَجِبْ بـ (صحّ) أو (خطأ):
- غالبية موارد الاستخدام القرآني للوحي جاءت في الوحي النبوي.
- كان جبرائيل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إمّا بصورته الحقيقية وإمّا متمثّلاً بصورة آدمي فقط.
- بعض الوحي القرآني إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء عن طريق الرؤيا الصادقة والمنام.

2- أَجِبْ باختصار:
- حدّد معنى الوحي؟
- بيّن أنحاء الوحي النبوي؟
- تحدّث عن أقسام الوحي النبوي؟

مطالعة

القرآن جوامع الكلم52
إنّ الذات المقدّسة للحقّ جلّ وعلا على حسب ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾53... يتجلّى لقلوب الأنبياء عليهم السلام والأولياء عليهم السلام في كسوة الأسماء والصفات، وتختلف التجلّيات على حسب اختلاف قلوبهم، والكتب السماوية التي نزلت على قلوبهم بنعت الإيحاء بتوسّط ملك اللوح جبرائيل عليه السلام, تختلف على حسب اختلاف هذه التجلّيات، وعلى حسب اختلاف الأسماء التي لها المبدئية، كما أنّ اختلاف الأنبياء عليهم السلام وشرائعهم - أيضا ً- باختلاف الدول الأسمائية، فكلّ اسم تكون إحاطته أكثر ويكون أجمع, تكون دولته أكثر إحاطة, والنبوّة التابعة له أكثر إحاطة، والكتاب النازل منه أكثر إحاطة وجامعيّة, وتكون الشريعة التابعة له أكثر إحاطة وأدوم.

وحيث إنّ النبوّة الختميّة، والقرآن الشريف، وشريعة سيد البشر, من مظاهر المقام الجامع الأحدي وحضرة اسم الله الأعظم ومجاليها، أو من تجلّياتها وظهوراته، فلهذا صارت أكثر النبوّات والكتب والشرائع إحاطة وأجمعها. ولا يتصوّر أكمل وأشرف من نبوّته وكتابه وشريعته. ولا يتنزل من عالم الغيب على بسيط الطبيعة علم أعلى منه، أو شبيه له, بمعنى أنّ هذا هو آخر ظهور للكمال العلمي المربوط بالشرائع، وليس للأعلى منه إمكان النزول في عالم المُلك، فنفس الرسول الخاتم أشرف الموجودات، والمظهر التامّ للاسم الأعظم، ونبوّته -أيضاً - أتمّ النبوّات الممكنة، وصورة لدولة الاسم الأعظم، ولهذه الجهة لهذا الكتاب أحديّة الجمع والتفصيل. وهو من جوامع الكلم، كما أنّ كلامه صلى الله عليه وآله وسلم - أيضاً - كان من جوامع الكلم، والمراد من كون القران أو كلامه صلى الله عليه وآله وسلم من جوامع الكلم ليس أنّ القران، أو أنّه صلى الله عليه وآله وسلم بيّنا الكلّيّات والضوابط الجامعة، وإن كانت أحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم -أيضاً- من الجوامع والضوابط بذلك المعنى، كما أنّ ذلك معلوم في علم الفقه، بل جامعيّته عبارة عن أنّ القرآن نزل لجميع طبقات الإنسان في جميع أدوار العمر البشري، وهو رافع لجميع حوائج هذا النوع. وحقيقة هذا النوع حيث إنّها حقيقة جامعة وواحدة لتمام المنازل، من المنزل الأسفل الملكي إلى أعلى مراتب الروحانية والملكوت والجبروت، ولهذه الجهة يختلف أفراد هذا النوع في هذا العالم الأسفل الملكي اختلافاً تامّاً، والاختلاف والتفاوت الموجودان في أفراد هذا النوع لا يوجدان في أفراد سائر الموجودات، ففي هذا النوع الشقيّ الذي هو في كمال الشقاوة، والسعيد الذي هو في كمال السعادة, وهو نوع بعض أفراده أسفل من جميع الحيوانات، وبعض أفراده أشرف من جميع الملائكة المقرّبين.

وبالجملة، حيث إنّ أفراد هذا النوع مختلفة متفاوتة في المدارك والمعارف، فالقران نزل على نحو يستفيد كلٌ منه على حسب كمال إدراكه ومعارفه وضعفها، وعلى حسب ما له من الدرجة العلمية.

مصادر الدرس ومراجعه

1- القرآن الكريم.
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص858.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج6، ص93.
4- الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج4، ص142, ج5، ص443.
5- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص274, ج12، ص492.
6- المجلسي، بحار الأنوار، ج18، باب2، ح3، ص254-255, ج28، كتاب الفتن والمحن، باب3، ص90, ج90، باب128، رسالة النعماني، ص16-17.
7- روحاني، المعجم الإحصائي للقرآن الكريم، ج 1، ص 571.
8- القمي، تفسير القمي، ج2، ص279.
9- ابن بابويه، التوحيد، باب8، ح15، ص115.
10- ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب(عله)، ج1، ص41.
11- ابن حنبل، مسند أحمد، ج2، ص222.
12- ابن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، ص85-86.
13- الإربلي، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، ج1، ص86.
14- الطوسي، الأمالي، ح689، ص338.
15- الكليني، الكافي، ج1، كتاب الحجّة، باب3، ح3، ص176, ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الطاعة والتقوى، ح2، ص74.
16- الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج9، ص284-293, ج10، ص281.

هوامش

1- انظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"وحى"، ص858.
2- انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، مادّة"وحى"، ص93.
3- الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن: التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح أحمد قصير العاملي، ط1، إيران، مكتب الإعلام الإسلامي، 1409هـ.ق، ج4، ص142.
4- م. ن، ج5، ص443.
5- سورة الشعراء، الآيتان: 193-194.
6- السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص492.
7- م. ن.
8- انظر: المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، تحقيق عبد الرحيم الربّاني الشيرازي، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403هـ.ق/ 1983م، ج18، باب2 من أبواب أحواله صلى الله عليه وآله وسلم ...، ح3، ص254-255, ج90، باب 128، رسالة النعماني، ص16-17.
9- سورة مريم، الآية: 11.
10- سورة القصص، الآية: 7.
11- سورة النحل، الآية: 68.
12- سورة فصّلت، الآية: 12.
13- سورة المائدة، الآية: 111.
14- سورة الأنفال، الآية: 12.
15- سورة الأنعام، الآية: 112.
16- سورة الأنعام، الآية: 121.
17- روحاني، المعجم الإحصائي للقرآن الكريم، م.س، ج 1، ص 571.
18- سورة النساء، الآية: 163.
19- سورة الأنبياء، الآية: 73.
20- انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص274.
21- سورة يونس، الآية: 2.
22- سورة النساء، الآية: 163.
23- سورة الشورى، الآية: 51.
24- الشيخ القمي، علي بن إبراهيم: تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم طيب الموسوي الجزائري، لاط، لام، مطبعة النجف، 1387هـ.ق، ج2، ص279.
25- ابن بابويه، محمد بن علي بن الحسين(الصدوق): التوحيد، تصحيح وتعليق هاشم الحسيني الطهراني، لاط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، لات، باب8، ح15، ص115.
26- سورة النساء، الآية: 164.
27- سورة القصص، الآية: 30.
28- سورة الشورى، الآية: 52.
29- سورة الشعراء، الآيتان: 193-194.
30- ابن شهرآشوب، محمد بن علي: مناقب آل أبي طالب عليهم السلام, تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، لاط، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1376هـ.ق/ 1956م، ج1، ص41.
31- ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد، لاط، بيروت، دار صادر، لات، ج2، ص222.
32- الشيخ الصدوق، التوحيد، م.س، باب8، ح15، ص115.
33- انظر: ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام, م.س، ج1، ص41.
34- سورة الصافات، الآية: 102.
35- سورة مريم، الآية: 52.
36- سورة الشعراء، الآيات: 192-194.
37- ابن بابويه، محمد بن علي بن الحسين(الصدوق): كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، لاط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، 1405هـ.ق/ 1363هـ.ش، ص85-86.
38- انظر: الإربلي، علي: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، ط2، بيروت، دار الأضواء، 1405هـ.ق/ 1985م، ج1، ص86.
39- الشيخ الطوسي، الأمالي، م.س، ح689، ص338.
40- الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج1، كتاب الحجّة، باب3، ح3، ص176.
41- سورة الفتح، الآية: 27.
42- السنة السادسة للهجرة.
43- السنة الثامنة للهجرة.
44- سورة النجم، الآيتان: 4-18.
45- سورة التكوير، الآيتان: 19-23.
46- انظر: الطبرسي، الفضل بن الحسن: مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق لجنة من العلماء والمحقّقين، ط1، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1415هـ.ق/ 1995م، ج9، ص284-293, ج10، ص281.
47- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام, م.س، ج1، ص41.
48- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، م.س، ص85-86.
49- سورة الشعراء، الآيتان: 193-194.
50- الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الطاعة والتقوى، ح2، ص74.
51- انظر: عنوان "أقسام الوحي (الوحي المباشر)".
52- انظر: الإمام الخميني، منهجية الثورة الإسلامية، م.س، ص89.
53- سورة الرحمن، الآية: 29.

نفحات من القرآن الكريم القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة 2


نفحات من القرآن الكريم
القرآن الكريم دروس في علوم القران حلقة 2

لغة القرآن:
إنّ لغة القرآن هي اللغة العربية، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بعدّة تعابير، من قبيل: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا1﴾، و﴿لِسَانٌ عَرَبِيٌّ﴾2، و﴿حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾3.

وأمّا اختيار اللغة العربية لتكون لغة القرآن الكريم, فيعود إلى نكات دقيقة، أبرزها التالي:
أ- جاء نزول القرآن باللغة العربية استناداً إلى أصل عامّ وسنّة إلهية في الإنذار والتبشير، مفادها: اتّحاد لغة كلّ رسول مع لغة قومه. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ...﴾4. وهذه القاعدة العامّة في إرسال الرسل، تنطبق أيضاً على إنزال الكتب السماوية. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا...﴾5.

ومن هذا المنطلق، فإنّ نزول القرآن باللغة العربية أمر طبيعي موافق للسنّة


37


الإلهية في الإنذار والتبشير. وهذا لا يتنافى مع رسالة الإسلام العالمية، ودعوته العامّة على مدى العصور والأجيال، ولا مع ما جاء به القرآن من هداية عامّة لكافّة الناس، بقوله تعالى: ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾6. وأمّا إنذار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأهل مكة، الذي ورد في سورة الشورى، فلم يكن إلا لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان في المراحل الأولى من حركته العالمية، مكلّفاً بدعوة قومه وهداية أبناء بيئته. ومن غير المعقول أن يُؤمَر صلى الله عليه وآله وسلم بإرشاد الناس وهدايتهم، ثمّ يعرض عليهم كتاباً بلغة غريبة عنهم.

ب- يرى علماء اللغة أنّ اللغة العربية تمتاز عن اللغات الأخرى بأنّها واسعة جدّاً: ولها قدرة عالية على حكاية المفاهيم المعنوية العالية والسامية التي يطرحها القرآن، أكثر من غيرها من اللغات الأخرى. تتميّز اللغة العربية عن اللغات الأخرى بكثرة المفردات، واشتقاق الكلمات، ووفرة قواعدها، وفصاحتها، وبلاغتها...

وقد اختار الله تعالى اللغة العربية لتكون لغة للقرآن الكريم، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾7، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾8.

وهاتان الآيتان تكشفان عن حقيقة أنّ إكساء القرآن باللغة العربية مُسنَد إلى الله تعالى، وهو الذي أنزل معنى القرآن ومحتواه بقالب اللفظ العربي, ليكون قابلاً للتعقّل والتأمّل. وفي الآية الواردة في سورة الزخرف يقول تعالى - بعد بيان أنّ لغة القرآن هي العربية -: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. وفي ذلك دلالة ما على أنّ لألفاظ الكتاب العزيز من جهة تعيّنها, بالاستناد إلى الوحي، وكونها عربية, دخلاً في ضبط أسرار الآيات وحقائق المعارف. ولو أنّه تعالى أوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم


38


بمعناه، وكان اللفظ الحالي له هو لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم, كما في الأحاديث القدسية - مثلاً - أو تُرجِم إلى لغة أخرى, لخفي بعض أسرار آياته البيّنات عن عقول الناس ولم تنله عقولهم وأفهامهم9.

ج- أكّد القرآن الكريم على صفة كونه بلسان عربي في وجه مَنْ زعموا أنّ هناك شخصاً يعلّم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القرآن: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾10. ويُراد بـ "أعجمي": أنّه غير صحيح، فـ"الإعجام: الإبهام. والعجم خلاف العرب، والعجمي منسوب إليهم. والأعجم: مَنْ في لسانه عجمة، عربياً كان، أم غير عربي"11.

وورد في حديث جاء جواباً عن معنى ﴿لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾: "يبيّنُ الألسُنَ، ولا تبيّنهُ الألسُنُ"12.
ومن هنا، فالمراد بالعربية هو: بيان حقيقة أنّ اللغة العربية لغة الفصاحة والوضوح والخلو من التعقيد والإبهام، في مقابل الأعجمي المبهم وغير الواضح والمعقّد، وقد اختارها الله تعالى ليبيّن بها معارف وحقائق راقية, بلغة فصيحة وبليغة.

د- اللغة العربية لغة توحيديّة: إنّ اللغة العربية تتناسب مع الهدف القرآني الأسمى وهو التوحيد, حيث لا يوجد في تأليف القضية في اللغة العربية سوى طوفان فقط هما: الموضوع والمحمول، وهما متّحدان ذاتاً يرجعان إلى وحدة ذاتية ومغايرة اعتبارية مفاهيمية، وهذا ما يجعل من القضايا في اللغة العربية قضايا توحيدية تؤشر على الهدف القرآني الأسمى وهو التوحيد، في حين أنّ القضايا في اللغات الأخرى تحتاج إلى رابط بين الموضوع والمحمول فلا بدّ لها من ثلاثة أطراف


39


حتى تفيد معنى مفيداً. ولعلّ هذه إحدى النكات الدقيقة في اختيار اللغة العربية لتكون لغة القرآن الكريم.

2- نشأة علوم القرآن وتاريخها:
اهتمّ المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعلّم القرآن, تلاوة وفهماً. وكانوا يرجعون إليه صلى الله عليه وآله وسلم في استجلاء ما يُشكَل عليهم فهمه، أو ما يحتاجون فيه إلى مزيد من التفصيل والشرح. فكانت علوم القرآن تُؤخَذ وتُنقَل عادة بالتلقين والمشافهة. وبعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وتوسّع الفتوحات الإسلامية، لاحت بوادر تدعو إلى الخوف على القرآن, نظراً إلى بُعد العهد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم نسبياً، واختلاط العرب بشعوب أخرى، لها لغاتها وطريقتها في التكلّم والتفكير، فبدأت بفعل ذلك حركة نشطة نسبياً بين المسلمين لضبط علوم القرآن، ووضع الضمانات اللازمة لوقاية القرآن وصيانته عن التحريف13.

وقد سبق الإمام علي عليه السلام (ت: 40هـ) غيره في الإحساس بضرورة اتّخاذ هذه الضمانات، فانصرف عقيب رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة إلى جمع القرآن, عملاً بوصية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصاه بها قبل رحيله صلى الله عليه وآله وسلم, فبعد أن رأى من الناس بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما رأى، أقسم أنّه لا يضع عن عاتقه رداءه حتى يجمع القرآن, فجلس في بيته ثلاثة أيام, حتّى جمع القرآن14.

وكان الإمام علي عليه السلام من روّاد التفسير وعلوم القرآن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, حتى أنّ شخصية تفسيرية يُشهَد لها في هذا المجال, كابن عباس أخذ تفسير القرآن عنه15. ويُعدّ الإمام عليه السلام أوّل من صنّف في علوم القرآن، ومن بين


40


ما صنّف: كتاباً في المحكم والمتشابه16.

ومن الصحابة: الذين لمع اسمهم في التفسير والقراءات: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأُبَي بن كعب، حيث كان لديهم مكانة رفيعة بين المسلمين في تعليم القرآن.
ومن الجهود المبذولة التي قام بها المسلمون بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم, في مجال تدوين بعض علوم القرآن, كعلم إعراب القرآن وعلم القراءات: تدوين علم إعراب القرآن تحت إشراف الإمام علي عليه السلام, إذ أمر بذلك أبا الأسود الدؤلي (ت: 69هـ) وتلميذه يحيى بن يعمر العدواني (ت: 89هـ) رائدَي هذا العلم والواضعَين لأُسسه، فإنّ أبا الأسود هو أوّل من وضع نقط المصحف17. وكان يحيى بن يعمر أوّل من دوّن في القراءة، حيث صنّف كتابه فيها أواخر القرن الأوّل الهجري18.

ومن هذا المنطلق، فإنّ الخوف على سلامة القرآن من الضياع أو التحريف، والتفكير في وضع الضمانات اللازمة لصيانته، بدأ في ذهن الواعين من المسلمين، عقيب رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وأدّى إلى القيام بمختلف النشاطات في هذا الصدد. وكان من نتيجة ذلك بدء ظهور علوم القرآن.

3- تعريف علوم القرآن:
هي عبارة عن مجموع القضايا والمباحث التي تتعلّق بالقرآن الكريم بلحاظ نزوله، وترتيبه، وجمعه، وكتابته، وقراءته، وتفسيره، وإعجازه، وناسخه، ومنسوخه، ودفع الشبهة عنه، ونحو ذلك19.


41


وتختلف هذه العلوم في لحاظ تناولها للكتاب الكريم، فالقرآن له لحاظات متعدّدة، وهو بكلّ واحدة من تلك اللحاظات موضوع لبحث خاصّ تشكّل مسائله علماً خاصّاً من علوم القرآن الكريم. وأهمّ تلك اللحاظات: لحاظ القرآن بوصفه كلاماً دالاً على معنى. والقرآن بهذا الوصف هو موضوع لعلم التفسير. فعلم التفسير يشتمل على دراسة القرآن, باعتباره كلاماً ذا معنى، فيشرح معانيه، ويكشف عن مدلولاته ومقاصده. ولأجل ذلك كان علم التفسير من أهمّ علوم القرآن، وعلى رأسها، حتى بات منفصلاً عنها في دراسة الباحثين فيه, لأهمّيّته، فضلاً عن أنّ معطيات علوم القرآن الأخرى تدخل فيه, بوصفها مدخلات مساعدة في العملية التفسيرية التي يحتاجها المفسّر في الكشف عن معاني القرآن وفهم مدلولاته ومقاصده.

ومن هذا المنطلق، فإنَّ مراد الباحثين من "علوم القرآن" هو جميع المعلومات ذات السنخ الواحد، التي تدخل في فهم القرآن على نحو أفضل، أو لها صلة بالقرآن. وبما أنّ القرآن ذو جوانب متعدّدة، فقد أدّى السعي إلى فهم كلّ واحد منها، منذ البداية وإلى حدّ الآن، إلى نشوء علوم مختلفة، مثل: علم أسباب النزول، وعلم القراءات، وعلم التجويد، وعلم الناسخ والمنسوخ. وعلى صعيد آخر، بما أنّ كلّ هذه العلوم تهتمّ بموضوع واحد، وهو "القرآن"، فقد أطلق الباحثون على مجموع هذه العلوم اسم "علوم القرآن"20.

4- موضوع علوم القرآن:
إذا ما نظرنا إلى علوم القرآن بالمعنى الإضافي, بصفتها علوماً لها لحاظات متعدّدة، فإنّ موضوع علوم القرآن حينها يكون: القرآن الكريم بلحاظ تفسيره، أو رسمه، أو طريقة أدائه، أو إعجازه، وهكذا...
وإذا ما نظرنا إلى هذه العلوم بكلّ أصولها ومباحثها ومسائلها, بلحاظ كونها


42


مجتمعة في كتاب واحد وتحت عنوان واحد "علوم القرآن", بحيث صار هذا العنوان علماً ولقباً لهذه المباحث المدوّنة في موضع واحد، بعد أن كانت مبعثرة في عشرات الكتب، وصار علماً واحداً بعد أن كان جملة من العلوم, فإنّ موضوع علوم القرآن حينها يكون: القرآن الكريم بلحاظ تفسيره، ورسمه، وطريقة أدائه، وإعجازه، وهكذا...، بخلاف علوم القرآن بالمعنى الإضافي، فإنّ موضوع كلّ علم منها إنّما هو القرآن الكريم من هذه الناحية فحسب21.

5- فائدة دراسة علوم القرآن:
إنّ لدراسة علوم القرآن فوائد وآثار عدّة، أبرزها:
أ- الإعانة على دراسة القرآن الكريم وفهمه حقّ الفهم، واستنباط الأحكام والآداب منه, إذ كيف يتأتّى لدارس القرآن ومفسّره أن يتوصّل إلى إصابة الحقّ والصواب، وهو لا يعلم كيف نزل؟! ولا متى نزل؟! وعلى أيّ حال كان ترتيب سوره وآياته؟! وبأي شيء كان إعجازه؟! وكيف ثبت؟! وما هو ناسخه ومنسوخه؟!... إلى غير ذلك ممّا يُذكَر في علوم القرآن, وإلا كان عرضة للزلل والخطأ. فهذا العلم بالنسبة للمفسّر بمثابة المفتاح لباب التفسير.

ب- الدفاع عن الدين من خلال دفع شبهات بعض المستشرقين وهجماتهم على القرآن والإسلام, بالاستفادة من علوم القرآن الكريم التي لها دور بارز ومهمّ في تفنيد هذه الشبهات ودحضها.

ج- إنّ الدارس لهذا العلم يكون على حظّ كبير من العلم بالقرآن، وبما يشتمل عليه من أنواع العلوم والمعارف، ويُحظى بثقافة عالية وواسعة في ما يتعلّق بالقرآن الكريم، وإذا كانت العلوم ثقافة للعقول، وصلاحاً للقلوب وتهذيباً للأخلاق،


43


وإصلاحاً للنفوس والأكوان، وعنوان التقدّم والرقي، وباعثة للنهضات, ففي القمة - من كلّ ذلك - علوم القرآن. فالقرآن أحسن الحديث، وأصدقه، وعلومه أشرف العلوم وأوجبها على كلّ مسلم أيّاً كان تخصّصه، وأيّاً كانت حرفته22.

6- تدوين علوم القرآن:
بدأ عهد تدوين تفسير القرآن منذ القرن الثاني الهجري. ومن بعد ذلك كثُرت المصنّفات التي تناولت القرآن الكريم, تفسيراً وبحثاً في موضوعات متعدّدة، من قبيل: المحكم والمتشابه، والقراءات، والناسخ والمنسوخ... فظهرت في القرن الأوّل الهجري مدوّنات من قبيل: كتاب "القراءة" ليحيى بن يعمر(ت: 89هـ) وهو أحد تلاميذ أبي الأسود الدؤلي... وفي القرن الثاني دوّن أبان بن تغلب (ت: 141هـ) أحد أصحاب الإمام السجّاد عليه السلام كتاباً في القراءات، وكذلك ألّف حمزة بن حبيب (ت: 156هـ), وهو أحد القرّاء السبعة ومن أصحاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام, كتاباً في القراءة... وفي القرن الثالث ألّف أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري شيخ القميين ووجههم (ت: 250 هـ) كتاباً في الناسخ والمنسوخ... وفي القرن الرابع ألّف ابن دريد (ت: 321هـ), وهو نحوي ولغوي معروف، ومن كبار أدباء الشيعة، كتاباً في غريب القرآن... وفي القرن الخامس صنّف الشيخ المفيد (ت: 413هـ) كتاباً في إعجاز القرآن، وألّف الشريف المرتضى (ت: 436 هـ) كتاباً في المحكم والمتشابه... وفي القرن السادس ألّف الراغب الأصفهاني (ت: 502هـ) كتاباً في غريب القرآن، وصنّف الشيخ الطبرسي (ت: 548هـ) تفسيره القيّم "مجمع البيان"...23.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مصطلح علوم القرآن بصيغته المعروفة حالياً، يختلف عمّا كان مصطلحاً عليه في القرون الأولى. فقد كان مصطلح علوم القرآن يُطلق في الماضي على البحوث التفسيرية أيضاً. والحقيقة هي: أنّ علم التفسير كان


44


يدخل في عداد علوم القرآن - كما تقدّم ذكره -، مثله في ذلك مثل: علم إعجاز القرآن، وعلم تاريخ القرآن، وعلم الناسخ والمنسوخ، وما شابه ذلك، بيد أنّ كثرة المباحث وتنوّعها أدّت إلى نشوء نوع من الحدود بين مباحث العلوم القرآنية وعلم التفسير.

وذهب بعض الباحثين إلى أنّ: المعروف لدى الكاتبين في تاريخ هذا الفن، أنّ أوّل عهد ظهر فيه هذا الاصطلاح إلى اصطلاح علوم القرآن، هو القرن السابع، لكنّي ظفرت في دار الكتب المصرية بكتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بـ "الحوفي" المتوفى سنة430هـ اسمه "البرهان في علوم القرآن"، ويقع في ثلاثين مجلداً... وإذن نستطيع أن نتقدّم بتاريخ هذا الفنّ نحو قرنين من الزمان: أي إلى بداية القرن الخامس...، ثمّ تطوّرت عملية التدوين مع ابن الجوزي (ت: 597هـ)، والسخاوي (ت: 643هـ)، وأبي شامة (ت:665هـ) في القرنين السادس والسابع، ثمّ الزركشي (ت: 794هـ) في القرن الثامن، ثمّ الكافيجي (ت: 879هـ)، وجلال الدين البلقيني (ت: 824هـ) في القرن التاسع، ثمّ مع جلال الدين السيوطي (ت: 911هـ) في نهاية القرن التاسع وبداية العاشر24.

وقد بدأ تدوين علوم القرآن بشكل جامع منذ القرن الثامن بتأليف كتاب "البرهان في علوم القرآن" لأبي عبد الله الزركشي. وكانت شمولية كتابه لأنواع علوم القرآن لا نظير لها حتى ذلك العهد، حتى أنّ السيوطي أعرب عن تعجّبه من المتقدّمين, إذ لم يدوّنوا كتاباً في أنواع علوم القرآن، ولكنّه أبدى السرور والانشراح بعد اطّلاعه على كتاب البرهان، وخطر له أن يؤلّف كتاباً مبسوطاً في هذا المجال سمّاه "الإتقان في علوم القرآن"25. ويعدّ كتاب "الإتقان في علوم القرآن" من أهمّ مصادر علوم القرآن. ومن أبرز المصادر التي اعتمد عليها السيوطي: كتاب "البرهان في علوم


45


القرآن" للزركشي. وفي أعقاب كتاب الإتقان انحسر ازدهار التأليف والتدوين في علوم القرآن إلى حين، وجاءت أكثر المؤلّفات في مواضيع معيّنة، وقلّ بعدها التوجّه نحو علوم القرآن.

وقد أُلِّفَت في القرن الأخير مؤلّفات قيّمة في علوم القرآن، يمكن أن نذكر منها ما يلي: "مناهل العرفان في علوم القرآن" لعبد العظيم الزرقاني، و"مقدّمة تفسير آلاء الرحمن" للشيخ محمد جواد البلاغي، و"مباحث في علوم القرآن"، للدكتور صبحي الصالح، و"منهج الفرقان في علوم القرآن" لمحمد علي سلامة، و"تاريخ القرآن" لأبو عبد الله الزنجاني، و"البيان في تفسير القرآن" للسيد أبو القاسم الخوئي، و"القرآن في الإسلام" للسيد محمد حسين الطباطبائي26، و"التمهيد في علوم القرآن" للشيخ محمد هادي معرفة، وغيرها من الكتب27...


46

الأفكار الرئيسة

1- إنّ لغة القرآن هي اللغة العربية، وقد اختارها الله تعالى لتكون لغة القرآن لعدّة نكات لطيفة ودقيقة.

2- اهتمّ المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعلّم القرآن, تلاوة وفهماً.

3- كان الإمام علي عليه السلام من روّاد التفسير وعلوم القرآن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ومن الصحابة الذين لمع اسمهم في التفسير والقراءات: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأُبي بن كعب...

4- علوم القرآن هي: مجموع القضايا والمباحث التي تتعلّق بالقرآن الكريم بلحاظ نزوله، وترتيبه، وجمعه، وكتابته، وقراءته، وتفسيره، وإعجازه، وناسخه، ومنسوخه، ودفع الشبهة عنه، ونحو ذلك.

5- موضوع علوم القرآن بالمعنى الكلّي: القرآن الكريم بلحاظ تفسيره، أو رسمه، أو طريقة أدائه... وبالمعنى الإضافي: القرآن الكريم بلحاظ تفسيره، ورسمه، وطريقة أدائه...

6- من فوائد دراسة علوم القرآن: الإعانة على دراسة القرآن وفهمه، والدفاع عن الدين...

7- بدأ عهد التدوين بداية القرن الخامس، ثمّ تطوّر في القرون اللاحق حتى بداية القرن العاشر.
فكّر وأجب

1- أَجِبْ بـ (صحّ) أو (خطأ):
- كانت علوم القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تُؤخَذ وتُنقَل عادّة بالتلقين والمشافهة.
- بدأت حركة تدوين علوم القرآن في القرن الثاني الهجري.
- يُعدّ كتاب (البرهان في علوم القرآن) للزركشي أوّل كتاب دوّن بنحو جامع في علوم القرآن.

2- أَجِبْ باختصار:
- لماذا نزل القرآن باللغة العربية؟
- عرّف علوم القرآن، وبيّن موضوعها؟
- ما هي فائدة دراسة علوم القرآن؟
مطالعة

طريق الاستفادة من القرآن الكريم28
لا بدّ لك أن تلفت النظر إلى مطلب مهمّ يَكشِفُ لكَ بالتوجّه إليه طريقَ الاستفادة من الكتاب الشريف، وتنفتح على قلبك أبواب المعارف والحكم, وهو: أن يكون نظرك إلى الكتاب الشريف الإلهي نظر التعليم، وتراه كتاب التعليم والإفادة وترى نفسك موظّفة على التعلّم والاستفادة، وليس مقصودنا من التعليم والتعلم والإفادة والاستفادة أن تتعلم منه الجهات الأدبية والنحو والصرف، أو تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية، أو تنظر في قصصه وحكاياته بالنظر التاريخي والاطّلاع على الأمم السالفة، فإنّه ليس شي‏ء من هذه داخلاً في مقاصد القرآن، وهو بعيد عن المنظور الأصلي للكتاب الإلهي بمراحل.

وليس مقصودنا من هذا البيان الانتقاد للتفاسير, فإنّ كلّ واحد من المفسّرين تحمّل المشاق الكثيرة والأتعاب التي لا نهاية لها حتى صنف كتاباً شريفاً، فلله درّهم، وعلى الله أجرهم، بل مقصودنا هو: أنّه لا بدّ وأن يُفتَح للناس طريق الاستفادة من هذا الكتاب الشريف, الذي هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله والكتاب الأحدي في تهذيب النفوس والآداب والسنن الإلهية، وأعظم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق، والعروة الوثقى والحبل المتين للتمسّك بعزّ الربوبية. فعلى العلماء والمفسرين أن يكتبوا التفاسير، وليكن مقصودهم: بيان التعاليم والمقرّرات العرفانية والأخلاقية، وبيان كيفية ربط المخلوق بالخالق، وبيان الهجرة من دار الغرور إلى دار السرور والخلود على نحو ما أُودِعَت في هذا الكتاب الشريف، فصاحب هذا الكتاب ليس هو السكاكي, فيكون مقصده جهات البلاغة والفصاحة، وليس هو سيبويه والخليل, حتى يكون منظوره جهات النحو والصرف، وليس المسعودي وابن خلكان, حتى يبحث حول تاريخ العالم.

هذا الكتاب ليس كعصي موسى عليه السلام ويده البيضاء، أو نفس عيسى عليه السلام الذي يحيي الموتى, فيكون للإعجاز فقط، وللدّلالة على صدق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, بل هذه الصحيفة الإلهية كتاب إحياء القلوب بالحياة الأبدية العلمية والمعارف الإلهية. هذا كتاب الله يدعو إلى الشؤون الإلهية، فالمفسّر، لا بدّ وأن يعلم الشؤون الإلهية، ويُرجِع الناس إلى تفسيره, لتعلّم الشؤون الإلهية, حتى تتحصّل الاستفادة منه: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾29. فأيّ خسران أعظم من أن نقرأ الكتاب الإلهي منذ ثلاثين أو أربعين سنة، ونراجع التفاسير، ونحرم مقاصده: ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾30.
مصادر الدرس ومراجعه

1- القرآن الكريم.
2- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج11، ص75.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص549
4- الكليني، الكافي، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح20، ص632.
5- الحكيم، علوم القرآن، ص19-22.
6- ابن النديم، كتاب الفهرست، ص30.
7- الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج2، ص157.
8- الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج20، ص155.
9- الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج4، ص81-84.
10- معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص16-25، 36-38.
11- الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص27-28، 35-39.
12- السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص19، 24-25.
13- الرومي، دراسات في علوم القرآن، ص47-48.
هوامش

1- سورة طه، الآية: 113, سورة الزمر، الآية: 28, سورة فصّلت، الآية: 3, سورة الشورى، الآية: 7, سورة الزخرف، الآية: 3.
2- سورة النحل، الآية: 103.
3- سورة الرعد، الآية: 37.
4- سورة إبراهيم، الآية: 4.
5- سورة الشورى، الآية: 7.
6- سورة البقرة، الآية: 185.
7- سورة يوسف، الآية: 2.
8- سورة الزخرف، الآية: 3.
9- انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج11، ص75.
10- سورة النحل، الآية: 103.
11- انظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"عجم"، ص549.
12- الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح20، ص632.
13- انظر: الحكيم، محمد باقر: علوم القرآن، ط3، قم المقدّسة، مجمع الفكر الإسلامي, مؤسّسة الهادي، 1417هـ.ق، ص21-22.
14- انظر: ابن النديم، محمد بن إسحاق، كتاب الفهرست، تحقيق رضا تجدّد، لاط، طهران، لان، ص30.
15- انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، م.س، ج2، ص157.
16- انظر: الطهرانلغة القرآن:
إنّ لغة القرآن هي اللغة العربية، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بعدّة تعابير، من قبيل: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا1﴾، و﴿لِسَانٌ عَرَبِيٌّ﴾2، و﴿حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾3.

وأمّا اختيار اللغة العربية لتكون لغة القرآن الكريم, فيعود إلى نكات دقيقة، أبرزها التالي:
أ- جاء نزول القرآن باللغة العربية استناداً إلى أصل عامّ وسنّة إلهية في الإنذار والتبشير، مفادها: اتّحاد لغة كلّ رسول مع لغة قومه. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ...﴾4. وهذه القاعدة العامّة في إرسال الرسل، تنطبق أيضاً على إنزال الكتب السماوية. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا...﴾5.

ومن هذا المنطلق، فإنّ نزول القرآن باللغة العربية أمر طبيعي موافق للسنّة


37


الإلهية في الإنذار والتبشير. وهذا لا يتنافى مع رسالة الإسلام العالمية، ودعوته العامّة على مدى العصور والأجيال، ولا مع ما جاء به القرآن من هداية عامّة لكافّة الناس، بقوله تعالى: ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾6. وأمّا إنذار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأهل مكة، الذي ورد في سورة الشورى، فلم يكن إلا لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان في المراحل الأولى من حركته العالمية، مكلّفاً بدعوة قومه وهداية أبناء بيئته. ومن غير المعقول أن يُؤمَر صلى الله عليه وآله وسلم بإرشاد الناس وهدايتهم، ثمّ يعرض عليهم كتاباً بلغة غريبة عنهم.

ب- يرى علماء اللغة أنّ اللغة العربية تمتاز عن اللغات الأخرى بأنّها واسعة جدّاً: ولها قدرة عالية على حكاية المفاهيم المعنوية العالية والسامية التي يطرحها القرآن، أكثر من غيرها من اللغات الأخرى. تتميّز اللغة العربية عن اللغات الأخرى بكثرة المفردات، واشتقاق الكلمات، ووفرة قواعدها، وفصاحتها، وبلاغتها...

وقد اختار الله تعالى اللغة العربية لتكون لغة للقرآن الكريم، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾7، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾8.

وهاتان الآيتان تكشفان عن حقيقة أنّ إكساء القرآن باللغة العربية مُسنَد إلى الله تعالى، وهو الذي أنزل معنى القرآن ومحتواه بقالب اللفظ العربي, ليكون قابلاً للتعقّل والتأمّل. وفي الآية الواردة في سورة الزخرف يقول تعالى - بعد بيان أنّ لغة القرآن هي العربية -: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. وفي ذلك دلالة ما على أنّ لألفاظ الكتاب العزيز من جهة تعيّنها, بالاستناد إلى الوحي، وكونها عربية, دخلاً في ضبط أسرار الآيات وحقائق المعارف. ولو أنّه تعالى أوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم


38


بمعناه، وكان اللفظ الحالي له هو لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم, كما في الأحاديث القدسية - مثلاً - أو تُرجِم إلى لغة أخرى, لخفي بعض أسرار آياته البيّنات عن عقول الناس ولم تنله عقولهم وأفهامهم9.

ج- أكّد القرآن الكريم على صفة كونه بلسان عربي في وجه مَنْ زعموا أنّ هناك شخصاً يعلّم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القرآن: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾10. ويُراد بـ "أعجمي": أنّه غير صحيح، فـ"الإعجام: الإبهام. والعجم خلاف العرب، والعجمي منسوب إليهم. والأعجم: مَنْ في لسانه عجمة، عربياً كان، أم غير عربي"11.

وورد في حديث جاء جواباً عن معنى ﴿لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾: "يبيّنُ الألسُنَ، ولا تبيّنهُ الألسُنُ"12.
ومن هنا، فالمراد بالعربية هو: بيان حقيقة أنّ اللغة العربية لغة الفصاحة والوضوح والخلو من التعقيد والإبهام، في مقابل الأعجمي المبهم وغير الواضح والمعقّد، وقد اختارها الله تعالى ليبيّن بها معارف وحقائق راقية, بلغة فصيحة وبليغة.

د- اللغة العربية لغة توحيديّة: إنّ اللغة العربية تتناسب مع الهدف القرآني الأسمى وهو التوحيد, حيث لا يوجد في تأليف القضية في اللغة العربية سوى طوفان فقط هما: الموضوع والمحمول، وهما متّحدان ذاتاً يرجعان إلى وحدة ذاتية ومغايرة اعتبارية مفاهيمية، وهذا ما يجعل من القضايا في اللغة العربية قضايا توحيدية تؤشر على الهدف القرآني الأسمى وهو التوحيد، في حين أنّ القضايا في اللغات الأخرى تحتاج إلى رابط بين الموضوع والمحمول فلا بدّ لها من ثلاثة أطراف


39


حتى تفيد معنى مفيداً. ولعلّ هذه إحدى النكات الدقيقة في اختيار اللغة العربية لتكون لغة القرآن الكريم.

2- نشأة علوم القرآن وتاريخها:
اهتمّ المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعلّم القرآن, تلاوة وفهماً. وكانوا يرجعون إليه صلى الله عليه وآله وسلم في استجلاء ما يُشكَل عليهم فهمه، أو ما يحتاجون فيه إلى مزيد من التفصيل والشرح. فكانت علوم القرآن تُؤخَذ وتُنقَل عادة بالتلقين والمشافهة. وبعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وتوسّع الفتوحات الإسلامية، لاحت بوادر تدعو إلى الخوف على القرآن, نظراً إلى بُعد العهد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم نسبياً، واختلاط العرب بشعوب أخرى، لها لغاتها وطريقتها في التكلّم والتفكير، فبدأت بفعل ذلك حركة نشطة نسبياً بين المسلمين لضبط علوم القرآن، ووضع الضمانات اللازمة لوقاية القرآن وصيانته عن التحريف13.

وقد سبق الإمام علي عليه السلام (ت: 40هـ) غيره في الإحساس بضرورة اتّخاذ هذه الضمانات، فانصرف عقيب رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة إلى جمع القرآن, عملاً بوصية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصاه بها قبل رحيله صلى الله عليه وآله وسلم, فبعد أن رأى من الناس بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما رأى، أقسم أنّه لا يضع عن عاتقه رداءه حتى يجمع القرآن, فجلس في بيته ثلاثة أيام, حتّى جمع القرآن14.

وكان الإمام علي عليه السلام من روّاد التفسير وعلوم القرآن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, حتى أنّ شخصية تفسيرية يُشهَد لها في هذا المجال, كابن عباس أخذ تفسير القرآن عنه15. ويُعدّ الإمام عليه السلام أوّل من صنّف في علوم القرآن، ومن بين


40


ما صنّف: كتاباً في المحكم والمتشابه16.

ومن الصحابة: الذين لمع اسمهم في التفسير والقراءات: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأُبَي بن كعب، حيث كان لديهم مكانة رفيعة بين المسلمين في تعليم القرآن.
ومن الجهود المبذولة التي قام بها المسلمون بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم, في مجال تدوين بعض علوم القرآن, كعلم إعراب القرآن وعلم القراءات: تدوين علم إعراب القرآن تحت إشراف الإمام علي عليه السلام, إذ أمر بذلك أبا الأسود الدؤلي (ت: 69هـ) وتلميذه يحيى بن يعمر العدواني (ت: 89هـ) رائدَي هذا العلم والواضعَين لأُسسه، فإنّ أبا الأسود هو أوّل من وضع نقط المصحف17. وكان يحيى بن يعمر أوّل من دوّن في القراءة، حيث صنّف كتابه فيها أواخر القرن الأوّل الهجري18.

ومن هذا المنطلق، فإنّ الخوف على سلامة القرآن من الضياع أو التحريف، والتفكير في وضع الضمانات اللازمة لصيانته، بدأ في ذهن الواعين من المسلمين، عقيب رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وأدّى إلى القيام بمختلف النشاطات في هذا الصدد. وكان من نتيجة ذلك بدء ظهور علوم القرآن.

3- تعريف علوم القرآن:
هي عبارة عن مجموع القضايا والمباحث التي تتعلّق بالقرآن الكريم بلحاظ نزوله، وترتيبه، وجمعه، وكتابته، وقراءته، وتفسيره، وإعجازه، وناسخه، ومنسوخه، ودفع الشبهة عنه، ونحو ذلك19.


41


وتختلف هذه العلوم في لحاظ تناولها للكتاب الكريم، فالقرآن له لحاظات متعدّدة، وهو بكلّ واحدة من تلك اللحاظات موضوع لبحث خاصّ تشكّل مسائله علماً خاصّاً من علوم القرآن الكريم. وأهمّ تلك اللحاظات: لحاظ القرآن بوصفه كلاماً دالاً على معنى. والقرآن بهذا الوصف هو موضوع لعلم التفسير. فعلم التفسير يشتمل على دراسة القرآن, باعتباره كلاماً ذا معنى، فيشرح معانيه، ويكشف عن مدلولاته ومقاصده. ولأجل ذلك كان علم التفسير من أهمّ علوم القرآن، وعلى رأسها، حتى بات منفصلاً عنها في دراسة الباحثين فيه, لأهمّيّته، فضلاً عن أنّ معطيات علوم القرآن الأخرى تدخل فيه, بوصفها مدخلات مساعدة في العملية التفسيرية التي يحتاجها المفسّر في الكشف عن معاني القرآن وفهم مدلولاته ومقاصده.

ومن هذا المنطلق، فإنَّ مراد الباحثين من "علوم القرآن" هو جميع المعلومات ذات السنخ الواحد، التي تدخل في فهم القرآن على نحو أفضل، أو لها صلة بالقرآن. وبما أنّ القرآن ذو جوانب متعدّدة، فقد أدّى السعي إلى فهم كلّ واحد منها، منذ البداية وإلى حدّ الآن، إلى نشوء علوم مختلفة، مثل: علم أسباب النزول، وعلم القراءات، وعلم التجويد، وعلم الناسخ والمنسوخ. وعلى صعيد آخر، بما أنّ كلّ هذه العلوم تهتمّ بموضوع واحد، وهو "القرآن"، فقد أطلق الباحثون على مجموع هذه العلوم اسم "علوم القرآن"20.

4- موضوع علوم القرآن:
إذا ما نظرنا إلى علوم القرآن بالمعنى الإضافي, بصفتها علوماً لها لحاظات متعدّدة، فإنّ موضوع علوم القرآن حينها يكون: القرآن الكريم بلحاظ تفسيره، أو رسمه، أو طريقة أدائه، أو إعجازه، وهكذا...
وإذا ما نظرنا إلى هذه العلوم بكلّ أصولها ومباحثها ومسائلها, بلحاظ كونها


42


مجتمعة في كتاب واحد وتحت عنوان واحد "علوم القرآن", بحيث صار هذا العنوان علماً ولقباً لهذه المباحث المدوّنة في موضع واحد، بعد أن كانت مبعثرة في عشرات الكتب، وصار علماً واحداً بعد أن كان جملة من العلوم, فإنّ موضوع علوم القرآن حينها يكون: القرآن الكريم بلحاظ تفسيره، ورسمه، وطريقة أدائه، وإعجازه، وهكذا...، بخلاف علوم القرآن بالمعنى الإضافي، فإنّ موضوع كلّ علم منها إنّما هو القرآن الكريم من هذه الناحية فحسب21.

5- فائدة دراسة علوم القرآن:
إنّ لدراسة علوم القرآن فوائد وآثار عدّة، أبرزها:
أ- الإعانة على دراسة القرآن الكريم وفهمه حقّ الفهم، واستنباط الأحكام والآداب منه, إذ كيف يتأتّى لدارس القرآن ومفسّره أن يتوصّل إلى إصابة الحقّ والصواب، وهو لا يعلم كيف نزل؟! ولا متى نزل؟! وعلى أيّ حال كان ترتيب سوره وآياته؟! وبأي شيء كان إعجازه؟! وكيف ثبت؟! وما هو ناسخه ومنسوخه؟!... إلى غير ذلك ممّا يُذكَر في علوم القرآن, وإلا كان عرضة للزلل والخطأ. فهذا العلم بالنسبة للمفسّر بمثابة المفتاح لباب التفسير.

ب- الدفاع عن الدين من خلال دفع شبهات بعض المستشرقين وهجماتهم على القرآن والإسلام, بالاستفادة من علوم القرآن الكريم التي لها دور بارز ومهمّ في تفنيد هذه الشبهات ودحضها.

ج- إنّ الدارس لهذا العلم يكون على حظّ كبير من العلم بالقرآن، وبما يشتمل عليه من أنواع العلوم والمعارف، ويُحظى بثقافة عالية وواسعة في ما يتعلّق بالقرآن الكريم، وإذا كانت العلوم ثقافة للعقول، وصلاحاً للقلوب وتهذيباً للأخلاق،


43


وإصلاحاً للنفوس والأكوان، وعنوان التقدّم والرقي، وباعثة للنهضات, ففي القمة - من كلّ ذلك - علوم القرآن. فالقرآن أحسن الحديث، وأصدقه، وعلومه أشرف العلوم وأوجبها على كلّ مسلم أيّاً كان تخصّصه، وأيّاً كانت حرفته22.

6- تدوين علوم القرآن:
بدأ عهد تدوين تفسير القرآن منذ القرن الثاني الهجري. ومن بعد ذلك كثُرت المصنّفات التي تناولت القرآن الكريم, تفسيراً وبحثاً في موضوعات متعدّدة، من قبيل: المحكم والمتشابه، والقراءات، والناسخ والمنسوخ... فظهرت في القرن الأوّل الهجري مدوّنات من قبيل: كتاب "القراءة" ليحيى بن يعمر(ت: 89هـ) وهو أحد تلاميذ أبي الأسود الدؤلي... وفي القرن الثاني دوّن أبان بن تغلب (ت: 141هـ) أحد أصحاب الإمام السجّاد عليه السلام كتاباً في القراءات، وكذلك ألّف حمزة بن حبيب (ت: 156هـ), وهو أحد القرّاء السبعة ومن أصحاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام, كتاباً في القراءة... وفي القرن الثالث ألّف أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري شيخ القميين ووجههم (ت: 250 هـ) كتاباً في الناسخ والمنسوخ... وفي القرن الرابع ألّف ابن دريد (ت: 321هـ), وهو نحوي ولغوي معروف، ومن كبار أدباء الشيعة، كتاباً في غريب القرآن... وفي القرن الخامس صنّف الشيخ المفيد (ت: 413هـ) كتاباً في إعجاز القرآن، وألّف الشريف المرتضى (ت: 436 هـ) كتاباً في المحكم والمتشابه... وفي القرن السادس ألّف الراغب الأصفهاني (ت: 502هـ) كتاباً في غريب القرآن، وصنّف الشيخ الطبرسي (ت: 548هـ) تفسيره القيّم "مجمع البيان"...23.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مصطلح علوم القرآن بصيغته المعروفة حالياً، يختلف عمّا كان مصطلحاً عليه في القرون الأولى. فقد كان مصطلح علوم القرآن يُطلق في الماضي على البحوث التفسيرية أيضاً. والحقيقة هي: أنّ علم التفسير كان


44


يدخل في عداد علوم القرآن - كما تقدّم ذكره -، مثله في ذلك مثل: علم إعجاز القرآن، وعلم تاريخ القرآن، وعلم الناسخ والمنسوخ، وما شابه ذلك، بيد أنّ كثرة المباحث وتنوّعها أدّت إلى نشوء نوع من الحدود بين مباحث العلوم القرآنية وعلم التفسير.

وذهب بعض الباحثين إلى أنّ: المعروف لدى الكاتبين في تاريخ هذا الفن، أنّ أوّل عهد ظهر فيه هذا الاصطلاح إلى اصطلاح علوم القرآن، هو القرن السابع، لكنّي ظفرت في دار الكتب المصرية بكتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بـ "الحوفي" المتوفى سنة430هـ اسمه "البرهان في علوم القرآن"، ويقع في ثلاثين مجلداً... وإذن نستطيع أن نتقدّم بتاريخ هذا الفنّ نحو قرنين من الزمان: أي إلى بداية القرن الخامس...، ثمّ تطوّرت عملية التدوين مع ابن الجوزي (ت: 597هـ)، والسخاوي (ت: 643هـ)، وأبي شامة (ت:665هـ) في القرنين السادس والسابع، ثمّ الزركشي (ت: 794هـ) في القرن الثامن، ثمّ الكافيجي (ت: 879هـ)، وجلال الدين البلقيني (ت: 824هـ) في القرن التاسع، ثمّ مع جلال الدين السيوطي (ت: 911هـ) في نهاية القرن التاسع وبداية العاشر24.

وقد بدأ تدوين علوم القرآن بشكل جامع منذ القرن الثامن بتأليف كتاب "البرهان في علوم القرآن" لأبي عبد الله الزركشي. وكانت شمولية كتابه لأنواع علوم القرآن لا نظير لها حتى ذلك العهد، حتى أنّ السيوطي أعرب عن تعجّبه من المتقدّمين, إذ لم يدوّنوا كتاباً في أنواع علوم القرآن، ولكنّه أبدى السرور والانشراح بعد اطّلاعه على كتاب البرهان، وخطر له أن يؤلّف كتاباً مبسوطاً في هذا المجال سمّاه "الإتقان في علوم القرآن"25. ويعدّ كتاب "الإتقان في علوم القرآن" من أهمّ مصادر علوم القرآن. ومن أبرز المصادر التي اعتمد عليها السيوطي: كتاب "البرهان في علوم


45


القرآن" للزركشي. وفي أعقاب كتاب الإتقان انحسر ازدهار التأليف والتدوين في علوم القرآن إلى حين، وجاءت أكثر المؤلّفات في مواضيع معيّنة، وقلّ بعدها التوجّه نحو علوم القرآن.

وقد أُلِّفَت في القرن الأخير مؤلّفات قيّمة في علوم القرآن، يمكن أن نذكر منها ما يلي: "مناهل العرفان في علوم القرآن" لعبد العظيم الزرقاني، و"مقدّمة تفسير آلاء الرحمن" للشيخ محمد جواد البلاغي، و"مباحث في علوم القرآن"، للدكتور صبحي الصالح، و"منهج الفرقان في علوم القرآن" لمحمد علي سلامة، و"تاريخ القرآن" لأبو عبد الله الزنجاني، و"البيان في تفسير القرآن" للسيد أبو القاسم الخوئي، و"القرآن في الإسلام" للسيد محمد حسين الطباطبائي26، و"التمهيد في علوم القرآن" للشيخ محمد هادي معرفة، وغيرها من الكتب27...


46

الأفكار الرئيسة

1- إنّ لغة القرآن هي اللغة العربية، وقد اختارها الله تعالى لتكون لغة القرآن لعدّة نكات لطيفة ودقيقة.

2- اهتمّ المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعلّم القرآن, تلاوة وفهماً.

3- كان الإمام علي عليه السلام من روّاد التفسير وعلوم القرآن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ومن الصحابة الذين لمع اسمهم في التفسير والقراءات: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأُبي بن كعب...

4- علوم القرآن هي: مجموع القضايا والمباحث التي تتعلّق بالقرآن الكريم بلحاظ نزوله، وترتيبه، وجمعه، وكتابته، وقراءته، وتفسيره، وإعجازه، وناسخه، ومنسوخه، ودفع الشبهة عنه، ونحو ذلك.

5- موضوع علوم القرآن بالمعنى الكلّي: القرآن الكريم بلحاظ تفسيره، أو رسمه، أو طريقة أدائه... وبالمعنى الإضافي: القرآن الكريم بلحاظ تفسيره، ورسمه، وطريقة أدائه...

6- من فوائد دراسة علوم القرآن: الإعانة على دراسة القرآن وفهمه، والدفاع عن الدين...

7- بدأ عهد التدوين بداية القرن الخامس، ثمّ تطوّر في القرون اللاحق حتى بداية القرن العاشر.
فكّر وأجب

1- أَجِبْ بـ (صحّ) أو (خطأ):
- كانت علوم القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تُؤخَذ وتُنقَل عادّة بالتلقين والمشافهة.
- بدأت حركة تدوين علوم القرآن في القرن الثاني الهجري.
- يُعدّ كتاب (البرهان في علوم القرآن) للزركشي أوّل كتاب دوّن بنحو جامع في علوم القرآن.

2- أَجِبْ باختصار:
- لماذا نزل القرآن باللغة العربية؟
- عرّف علوم القرآن، وبيّن موضوعها؟
- ما هي فائدة دراسة علوم القرآن؟
مطالعة

طريق الاستفادة من القرآن الكريم28
لا بدّ لك أن تلفت النظر إلى مطلب مهمّ يَكشِفُ لكَ بالتوجّه إليه طريقَ الاستفادة من الكتاب الشريف، وتنفتح على قلبك أبواب المعارف والحكم, وهو: أن يكون نظرك إلى الكتاب الشريف الإلهي نظر التعليم، وتراه كتاب التعليم والإفادة وترى نفسك موظّفة على التعلّم والاستفادة، وليس مقصودنا من التعليم والتعلم والإفادة والاستفادة أن تتعلم منه الجهات الأدبية والنحو والصرف، أو تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية، أو تنظر في قصصه وحكاياته بالنظر التاريخي والاطّلاع على الأمم السالفة، فإنّه ليس شي‏ء من هذه داخلاً في مقاصد القرآن، وهو بعيد عن المنظور الأصلي للكتاب الإلهي بمراحل.

وليس مقصودنا من هذا البيان الانتقاد للتفاسير, فإنّ كلّ واحد من المفسّرين تحمّل المشاق الكثيرة والأتعاب التي لا نهاية لها حتى صنف كتاباً شريفاً، فلله درّهم، وعلى الله أجرهم، بل مقصودنا هو: أنّه لا بدّ وأن يُفتَح للناس طريق الاستفادة من هذا الكتاب الشريف, الذي هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله والكتاب الأحدي في تهذيب النفوس والآداب والسنن الإلهية، وأعظم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق، والعروة الوثقى والحبل المتين للتمسّك بعزّ الربوبية. فعلى العلماء والمفسرين أن يكتبوا التفاسير، وليكن مقصودهم: بيان التعاليم والمقرّرات العرفانية والأخلاقية، وبيان كيفية ربط المخلوق بالخالق، وبيان الهجرة من دار الغرور إلى دار السرور والخلود على نحو ما أُودِعَت في هذا الكتاب الشريف، فصاحب هذا الكتاب ليس هو السكاكي, فيكون مقصده جهات البلاغة والفصاحة، وليس هو سيبويه والخليل, حتى يكون منظوره جهات النحو والصرف، وليس المسعودي وابن خلكان, حتى يبحث حول تاريخ العالم.

هذا الكتاب ليس كعصي موسى عليه السلام ويده البيضاء، أو نفس عيسى عليه السلام الذي يحيي الموتى, فيكون للإعجاز فقط، وللدّلالة على صدق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, بل هذه الصحيفة الإلهية كتاب إحياء القلوب بالحياة الأبدية العلمية والمعارف الإلهية. هذا كتاب الله يدعو إلى الشؤون الإلهية، فالمفسّر، لا بدّ وأن يعلم الشؤون الإلهية، ويُرجِع الناس إلى تفسيره, لتعلّم الشؤون الإلهية, حتى تتحصّل الاستفادة منه: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾29. فأيّ خسران أعظم من أن نقرأ الكتاب الإلهي منذ ثلاثين أو أربعين سنة، ونراجع التفاسير، ونحرم مقاصده: ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾30.
مصادر الدرس ومراجعه

1- القرآن الكريم.
2- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج11، ص75.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص549
4- الكليني، الكافي، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح20، ص632.
5- الحكيم، علوم القرآن، ص19-22.
6- ابن النديم، كتاب الفهرست، ص30.
7- الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج2، ص157.
8- الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج20، ص155.
9- الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج4، ص81-84.
10- معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص16-25، 36-38.
11- الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص27-28، 35-39.
12- السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص19، 24-25.
13- الرومي، دراسات في علوم القرآن، ص47-48.
هوامش

1- سورة طه، الآية: 113, سورة الزمر، الآية: 28, سورة فصّلت، الآية: 3, سورة الشورى، الآية: 7, سورة الزخرف، الآية: 3.
2- سورة النحل، الآية: 103.
3- سورة الرعد، الآية: 37.
4- سورة إبراهيم، الآية: 4.
5- سورة الشورى، الآية: 7.
6- سورة البقرة، الآية: 185.
7- سورة يوسف، الآية: 2.
8- سورة الزخرف، الآية: 3.
9- انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج11، ص75.
10- سورة النحل، الآية: 103.
11- انظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"عجم"، ص549.
12- الشيخ الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح20، ص632.
13- انظر: الحكيم، محمد باقر: علوم القرآن، ط3، قم المقدّسة، مجمع الفكر الإسلامي, مؤسّسة الهادي، 1417هـ.ق، ص21-22.
14- انظر: ابن النديم، محمد بن إسحاق، كتاب الفهرست، تحقيق رضا تجدّد، لاط، طهران، لان، ص30.
15- انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، م.س، ج2، ص157.
16- انظر: الطهراني، آغا بزرك: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ط2، بيروت، دار الأضواء، لات، ج20، ص155.
17- انظر: الذهبي، محمد بن أحمد: سير أعلام النبلاء، إشراف وتخريج شعيب الأرنؤوط، تحقيق مأمون الصاغرجي، ط9، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1413هـ.ق/ 1993م، ج4، ص81-84.
18- انظر: معرفة، محمد هادي: التمهيد في علوم القرآن، ط3، قم المقدّسة، مؤسّسة التمهيد, مطبعة ستاره، 1432هـ.ق/ 2011م، ج1، ص16.
19- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص27.
20- انظر: الحكيم، علوم القرآن، م.س، ص19-20.
21- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص27.
22- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان، م.س، ج1، ص28.
23- انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص16-25.
24- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ص35-39.
25- انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص19، 24-25.
26- هذا الكتاب مترجّم عن اللغة الفارسية.
27- انظر: معرفة، التمهيد، م.س، ج1، ص36-38, الرومي، فهد بن عبد الرحمن: دراسات في علوم القرآن، ط14، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1426هـ.ق، ص47-48.
28- انظر: الإمام الخميني، روح الله: الآداب المعنوية للصلاة، ترجمة وشرح وتعليق أحمد الفهري، ط2، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1406هـ.ق/1986م، ص332-339.
29- سورة الإسراء، الآية: 82.
30- سورة الأعراف، الآية: 23.
ي، آغا بزرك: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ط2، بيروت، دار الأضواء، لات، ج20، ص155.
17- انظر: الذهبي، محمد بن أحمد: سير أعلام النبلاء، إشراف وتخريج شعيب الأرنؤوط، تحقيق مأمون الصاغرجي، ط9، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1413هـ.ق/ 1993م، ج4، ص81-84.
18- انظر: معرفة، محمد هادي: التمهيد في علوم القرآن، ط3، قم المقدّسة، مؤسّسة التمهيد, مطبعة ستاره، 1432هـ.ق/ 2011م، ج1، ص16.
19- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص27.
20- انظر: الحكيم، علوم القرآن، م.س، ص19-20.
21- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص27.
22- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان، م.س، ج1، ص28.
23- انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص16-25.
24- انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ص35-39.
25- انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص19، 24-25.
26- هذا الكتاب مترجّم عن اللغة الفارسية.
27- انظر: معرفة، التمهيد، م.س، ج1، ص36-38, الرومي، فهد بن عبد الرحمن: دراسات في علوم القرآن، ط14، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1426هـ.ق، ص47-48.
28- انظر: الإمام الخميني، روح الله: الآداب المعنوية للصلاة، ترجمة وشرح وتعليق أحمد الفهري، ط2، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1406هـ.ق/1986م، ص332-339.
29- سورة الإسراء، الآية: 82.
30- سورة الأعراف، الآية: 23.